دبّت الحركة الديبلوماسية في الساحة اللبنانية بشكل لافت في ظل ارتفاع منسوب الحراك العربي والغربي، وذلك للملمة الوضع الداخلي رئاسياً واقتصادياً، وخصوصا مع زيارة الموفد الأميركي آموس #هوكشتاين التي خطفت النجومية من وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان، وغرق الكثيرون في قراءتها وسبر أغوارها التي تميزت بالمشاهد الحيّة لجولات هوكشتاين ولقاءاته، حيث كانت السفيرة الأميركية #دوروثي شيا ظلّه في كل تحركاته وغدواته وعشاواته، ناهيك عن صورة الفطور أمام صخرة الروشة، وكل ذلك رمى الى قطع الطريق على مسلسل الانتحار السياسي والاقتصادي في بلد الأرز، اذ تقصّد الموفد الأميركي نشر هذه الصور التي حملت دلالات في أكثر من اتجاه، إضافة الى ما سبق لـ”الــنهار” ان أشارت اليه قبل أسبوع من أن #الولايات المتحدة الأميركية عادت لتُمسك بالملف اللبناني وبزخم، والمسألة لا تقتصر على ملف معين، بل تتخطى الترسيم البحري والبري وصولاً الى الوضع الداخلي برمّته.
في السياق، ذكرت مصادر سياسية مطلعة لـــ”النهار”، أن زيارة هوكشتاين الى #بيروت كانت لافتة بكل المقاييس، وتحديداً زيارته الى بعلبك وتناوله “الصفيحة” البعلبكية في عمق نفوذ “حزب الله”، وهذا أيضاً له دلالته على انطلاق مسيرة الحل لاستعادة السيادة بالتماهي الاميركي مع “اللقاء الخماسي” من دون صدام مع “حزب الله” لا سياسياً ولا عسكرياً، ما ظهر جلياً من خلال مواقف “السائح الأميركي” بين أعمدة قلعة بعلبك.
أما ماذا حمل هوكشتاين من رسائل الى قائد الجيش العماد جوزف عون، عسكرية أو سياسية، فالبارز في زيارته كما تقول المصادر نفسها أن مهمته هذه المرة تخطت مسألة الترسيم بكثير، اذ قيل إنه قادم من أجل الخوض في #الترسيم البرّي بعدما نجح في البحر، أو الاشراف على عمليات الحفر التي تقوم بها شركة “توتال”، وهذا ما حصل عندما اعتبر ان ذلك انجاز وسيخلق فرص عمل للشباب اللبناني بالآلاف، داعياً الى إصلاحات في هذا المجال، وقد ظهرت العلامات السياسية واضحة من خلال حركة هوكشتاين، وتحديداً باتجاه قائد الجيش، اذ أفادت المعلومات المستقاة من جهات موثوق بها ان العشاء الذي أقامه العماد عون على شرف الموفد الأميركي ومرافقيه وفي طليعتهم السفيرة شيا، انما يحمل أكثر من رسالة تتخطى الدعم الأميركي للجيش اللبناني الجاري على قدم وساق باعتبار المؤسسة العسكرية هي الوحيدة القادرة اليوم على الحفاظ على السلم الأهلي، وثمّة شفافية تحيط بها، ولهذه الغاية فان المساعدات الاميركية للجيش ودعمه في هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يجتازها لبنان لن تتوقف اطلاقاً.
وتضيف المصادر: “أما سياسياً، وهنا بيت القصيد، “فالعشاء المصوّر” الذي أقامه قائد الجيش في منزله باللباس المدني، انما يمكن اعتباره أكثر من رسالة سياسية، اذ نادراً ما يتم نشر مثل هذه الصور، خصوصاً وقد كثرت التحليلات حول هذا العشاء الذي رأى مواكبون ومتابعون للاستحقاق الرئاسي، انه يمكن ادراجه في خانة أن الولايات المتحدة تعتبر العماد عون من المرشحين الأساسيين لرئاسة الجمهورية، وبالتالي لا “فيتو” عليه، والصورة الجامعة سياسياً وعائلياً صبّت في هذا المنحى، وان هوكشتاين الخبير بالملف اللبناني والذي بات يعرف قادة هذا البلد والتفاصيل السياسية، قد يمكن كثيرين من الاستنتاج أنه أطلق معركة رئاسة الجمهورية أميركياً، باعتبار ان للتوقيت أكثر من إشارة مع اقتراب عودة الموفد الفرنسي الرئاسي جان – ايف لودريان الى بيروت من خلال التلميح أن واشنطن هي من يصنع الرئيس العتيد في لبنان، وهي التي بدأت تقبض على الملف اللبناني، إضافة الى أن العشاء المذكور لا يمكن ادراجه إلا في ظل العناوين الأساسية التي تحيط بالبلد وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي، والتأكيد أيضاً أن واشنطن ملتزمة مواصلة الشراكة الأمنية مع لبنان، وفي الوقت عينه، وهنا العنوان الأهم، أنها أطلقت مسار الانتخابات الرئاسية وبداية الحلول في ظل الستاتيكو القائم ودخلت بقوة على هذا الخط ووجهت رسائل الى معارضي قائد الجيش بأن الإدارة الأميركية تعتبره مرشحاً طبيعياً في الظروف الراهنة التي يمر بها لبنان، من دون أن يعني ذلك أن خيار العماد عون هو الوحيد والمحسوم، لكنه من المرشحين الأقوياء الى جانب مرشح الثنائي الشيعي رئيس “تيار المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، و”الخيار الثالث” الذي يبقى مطروحاً.
لا شك في ان زيارة هوكشتاين أتت للإشراف على انطلاق عمليات التنقيب عن الغاز عبر عمليات الحفر وفتحت الطريق للترسيم البرّي، والأبرز أنها غاصت في الترسيم الرئاسي وشقّت طريق الحل من بابه الواسع تزامناً مع زيارة لودريان ووزير الخارجية الإيراني وما بينهما من حراك سعودي وغربي تجاه لبنان.
النهار