تقسيم بيروت الحجّة والمناصفة ضائعة… هل كأس تأجيل الانتخابات البلدية “سيبلّع” ثانية؟

منال شعيا – النهار

يبدو أن تأجيل #الانتخابات البلدية، هذه المرّة، سيكون لأكثر من سبب وعامل، من مالي الى لوجستي، وصولاً الى الظروف السياسية العامة، والتي تكاد بلدية #بيروت تعكسها وحدها.




حتى الساعة، وقبل نحو شهرين من الاستحقاق البلدي، لا تزال الصورة البلدية للعاصمة أكثر من ضبابية، يسودها الخلاف أو أقله عدم الاتفاق على شكل إجراء الاستحقاق البلدي المقبل، هذا من دون أن ندخل في تفاصيل تشكيل اللوائح أو تحديد طبيعة التحالفات المقبلة.

فبين رافض لتقسيم المجلس البلدي لبيروت بالمطلق ومؤيّد له، وبين مؤيّد للتقسيم، لكن ضمن ضوابط محدّدة تحترم المناصفة ولا تخلّ بصلاحيات المحافظ، تضيع البوصلة لتبدو الصورة المستقبلية أكثر من غامضة، وسط الاستنتاج المنطقي أن أبغض الحلول سيكون التأجيل، لئلا تضاف مشاكل الى قائمة الهموم الطويلة.

من المعلوم أن موعد الاستحقاق البلدي سيكون في 31 أيار المقبل، وعلى الرغم من نيّة وزارة الداخلية دعوة الهيئات الناخبة والإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها، فإن أكثر من بلدة ومنطقة غير جاهزة لخوض الاستحقاق، بعدما أنهكتها الظروف المادية القاسية التي جعلت هموم المواطنين أبعد ما يكون عن التفكير في خوض استحقاق بلدي قريب، إضافة الى الظروف السياسية غير المستقرّة، التي ليس أقلها الشغور الرئاسي المتمدّد، وشبه توقف عمل المؤسّسات والإدارات والسلطات العامة.

وإن كانت العاصمة بيروت لا تنفصل عن هذه الهموم العامة، فإن لديها همّاً خاصّاً وهو هاجس تقسيم مجلس بلديتها. منذ فترة، تعدّدت المطالبات حيال نيّة تقسيم البلدية وتعدّدت أيضاً اقتراحات القوانين. آخر هذه الاقتراحات، كان ما قدّم باسم “تكتل لبنان القوي”، وقد لفتت الزيارة الأخيرة التي قام بها عدد من نواب التكتل لبكركي لشرح تفاصيل الاقتراح أمام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

يشرح عضو التكتل النائب إدغار طرابلسي لـ”النهار” حيثيات هذا الاقتراح، بالقول: “لا نريد أن نشهد في بيروت ما سبق أن شهدناه في طرابلس من إخلال بالتوازن الطائفي، وبصراحة نخشى أن يأتي المجلس البلدي الجديد لبيروت من لون مذهبي واحد”.

عرف المناصفة
بلغة أوضح، ثمة مخاوف عند المسيحيين من ضرب عرف المناصفة داخل المجلس البلدي الممدّد له أصلاً في بيروت. إن عدد المقاعد لبلدية بيروت هو 24 مقعداً، وقد جرى العرف منذ أعوام، على توزيعها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

في الماضي، أدّى الرئيس الشهيد رفيق الحريري دوراً بارزاً في الحفاظ على هذا التوازن أو على عرف المناصفة، من دون أن يكون مكرّساً ضمن قانون، ولاحقاً لم يخلّ الرئيس سعد الحريري، مرّة، بهذا العرف.

من هنا، تزداد المخاوف اليوم من ضرب هذا التوازن وسط الفراغ في الساحة السنية، ولا سيما أن مثال طرابلس لم يكن مشجّعاً. هذا ما بدأت تعبّر عنه القوى المسيحية في العاصمة بدعوتها الى تقسيمها إلى دائرتين انتخابيتين، مسيحية ومسلمة.

يعلق طرابلسي: “هو ليس تقسيماً بقدر ما هو تنظيم للعملية الانتخابية. في كل لبنان، إن الدائرة البلدية تكون أصغر من الدائرة النيابية، إلا في العاصمة بيروت. من هنا، اقتراحنا يقضي بتقسيم بيروت دائرتين انتخابيتين (بيروت الأولى وبيروت الثانية) تماماً كما في تقسيمات القانون الانتخابي النيابي، بحيث تحفظ أصوات ناخبي الدائرتين، على أن تُدمج هاتان الدائرتان ضمن مجلس بلدي واحد، بشكل يضمن تشكيلة مسيحية – مسلمة متوازنة”.

في المقابل، رافضو هذا الاقتراح يعتبرونه مخالفاً للدستور وأنه لا يجوز ذكر المناصفة في القانون، لكن في رأي مقدّمي الاقتراح، فإن “مجلس الوزراء ومجلس النواب قائمان على مبدأ المناصفة، فلمَ استثناء هذا المبدأ عن بلدية بيروت. ثم دستورياً، إن كل شيء لا يراعي مقتضيات العيش المشترك هو المناقض تماماً لأحكام الدستور، لا العكس”.

كل ما يريده مؤيدو التقسيم، وفق طرابلسي، هو أن “يبقى وجه بيروت متنوّعاً، وأن يكرّس مبدأ المناصفة في قانون، لأنه إذا غابت الضمانة السياسية ثمة خوف من أن تغلب الطائفية والأحادية”.

حجّة التأجيل
لا تنحصر إشكالية بلدية بيروت في تقسيم مجلسها بل لما لهذا الأمر من علاقة مباشرة بمركز محافظ بيروت الذي يمارس الوصاية عليها، إذ ثمة تخوف من أن يؤدي التقسيم الى إخلال بصلاحيات المحافظ أو حتى ضربها.

وإن كانت “القوات اللبنانية” من أبرز الداعين الى تقسيم المجلس البلدي، الى جانب الطاشناق، فإنه حتى اللحظة يبدو أن ثمة “توجّساً” من اقتراح “تكتل لبنان القوي”، ويرفض أكثر من نائب داخل “القوات” التعليق على الأمر، الى حين الاطلاع على نص اقتراح القانون، وإن كانوا بالطبع لا يرفضون التقسيم مطلقاً.

وهذا ما يؤكده طرابلسي، قائلاً إن ثمة جولة قريبة من التكتل على مجمل الكتل النيابية المسيحية، وفي مقدّمها كتلتا “القوات” والطاشناق، في محاولة لتوحيد الموقف وشرح كل وجهات النظر المؤيّدة لمبدأ التقسيم.

… أما بعد، ماذا لو كان مطلب التقسيم هو الحجّة التي ستكرّس تأجيل الاستحقاق البلدي ككل؟
يرفض طرابلسي هذا المنطق، ” نرفض أن نكون نحن الحجة. إن مبدأ التقسيم مطلب مبدئي اليوم وغداً. نريد تكريس الأمر بقانون، ثمّ لماذا ما هو مقبول في الانتخابات النيابية لبيروت مرفوض في الاستحقاق البلدي. إن شكل التقسيم الانتخابي وطريقة الانتخاب ستكون هي نفسها. لا يجوز أن يبقى الأمر رهن الضمانات السياسية، وسنعمل على مطلبنا هذا حتى بالنسبة الى بلدية طرابلس أيضاً”.

ويختم: “وحدة العاصمة أمر لا جدل حوله. وهذه الوحدة تتمثل أيضاً بوحدة المكوّنات الموجودة والراسخة في قلب العاصمة والتي ينبغي أن يبقى وجودها ودورها مصونين. ثم هل وحدة المجلس البلدي أعطى التوازن حقه. إن الغبن الذي يلحق المنطقة المتضرّرة من جراء انفجار المرفأ أكبر دليل على الإجحاف الذي يلحق بأبناء بيروت. وربما لهذا الأمر علاقة وطيدة بكل عمليات الفساد والهدر التي لا بدّ أن تُفتح يوماً”.

أقل من شهرين وتدق ساعة الصفر للاستحقاق البلدي، فيما مجلس النواب لا يزال يدرس تعديل قانون البلديات ضمن لجنة فرعية، ولا مؤشر لعقد جلسة تشريعية عامة لدرس هذا التعديل أو حتى لدرس الاقتراحات الداعية الى تقسيم مجلس بلدية بيروت… فأيّ خيار سيُحسم في النهاية…؟! لا شك في أننا لا نزال نطبّق مفردات قاموس “دولة الفراغ” والتمديد…