“كتيبة نساء”.. كيف قادت الإيرانيات موجة الاحتجاجات ضد النظام؟

في اليوم العالمي للمرأة، يستذكر المجتمع الدولي نضالات النساء من أجل التغيير في مختلف البلدان، لا سيما تلك التي تقع تحت قيود الأنظمة الشمولية، مثل إيران.

ساهمت المرأة الإيرانية خلال الانتفاضة الأخيرة، في بعث الأمل في تغيير النظام الجاثم على صدور مواطنيه منذ عقود، حيث حافظت بإصرارها على الثورة على قواعد اللباس التي تحد من حريتها في الاختيار، في إبقاء شعلة الثورة ضد النظام متقدة، وفق تقرير لوكالة بلومبرغ.




وشهدت إيران منذ سبتمبر الماضي، إثر مقتل الشابة مهسا أميني في عهدة الشرطة، بسبب لباسها، انتفاضة عارمة، انتقلت من المطالبة بالحريات إلى إسقاط النظام.

وتصر النساء الإيرانيات على ضرورة احترام خياراتهن في اللباس، حيث كانت الانتفاضة الأخيرة فرصة لهن للثورة على الحجاب الإلزامي، وحظيت هذه الهبة حتى بتأييد المحجبات باختيارهن.

“كتيبة نساء” ضد إجبارية الحجاب

تقول ندى، في حديث لبلومبرغ، وهي من بين كتيبة النساء في جميع أنحاء المناطق الإيرانية اللاتي طالبن بحرية اختيارهن ارتداء الحجاب من عدمه، إن قرارها الخروج دون غطاء الرأس مباشرة بعد مقتل أميني،  لم يكن سهلا.

وذات صباح مشمس شهر أكتوبر -أسابيع فقط بعد وفاة أميني- قررت ندى الخروج من منزلها دون أن تغطي شعرها، ووصفت تلك اللحظة بالقول: “كنت متوترة بشكل يبعث على السخرية”.

ندى، وهي في الثلاثينيات من عمرها، قالت وهي تصف تلك اللحظات “كنت أتوقع الأسوأ” ثم تابعت “كنت متيقظة جدا لكل من حولي، بحثا عن أي سلوك عدواني من أحدهم”.

سلوك ندى وأخريات، “أصبح الإرث الأكثر إلحاحا للثورة الأخيرة ضد النظام” يقول تقرير بلومبرغ.

ومنذ الإطاحة بالشاه في عام 1979، تغيرت صورة العاصمة الإيرانية، من خلال مشاهد تؤشر على عمل النظام الدؤوب لبسط قيوده، ورؤيته، حيث أصبحت الطرقات مليئة بالنساء اللاتي يرتدين الشادور الأسود السميك، بينما تعرض جداريات المدينة شعارات تدعو إلى سقوط الولايات المتحدة، “لكن الأشهر الستة الماضية، قلبت الوضع رأسا على عقب” وفق بلومبرغ.

قالت ندى التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل إنه في جميع أنحاء المدينة (طهران) التي يبلغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة، كشفت النساء عن لافتات انتصار وتضامن مع بعضهن البعض، وهو ما ساهم في تقوية الحراك المناوئ للقيود.

تقول إنها عندما خرجت من بيتها من دون غطاء الرأس المعتاد، توجهت إلى عيادة طبية، وفي انتظار مناداتها، زاد توترها عندما دخل اثنان متدينان ظاهريا.

اعتقدت ندى لوهلة، أنهما قد يعاقبانها لعدم تغطيتها رأسها، قالت: “لكن لم يحدث شيء بعد ذلك، وكان الأمر كما لو أنني كنت قلقة من أجل لا شيء”.

ثم تابعت “اكتسبت شجاعة أكثر، وسرت بثقة أكبر في الشارع، بمجرد مغادرتي العيادة”.

Women without wearing mandatory Islamic headscarf check the sunglasses of a street vendor at Enqelab-e-Eslami (Islamic…

“كان مثل هذا الموقف هو التغيير الأكثر وضوحا وسط حملة قمع وحشية من قبل السلطات” وفق تقدير الوكالة.

تقول جماعات حقوق الإنسان إن أكثر من 500 شخص قتلوا واعتقل ما لا يقل عن 20 ألفا منذ سبتمبر، بينما وتصف الحكومة التمرد بأنه أعمال شغب مدعومة من قوى أجنبية.

مقاومة “دوريات الحجاب”

لسنوات، واجهت النساء في طهران القواعد المتعلقة باللباس، متجاوزات حدود ما هو مسموح به، ويخاطرن بالاعتقال والعقاب.

لكن من خلال حرق الحجاب علانية في الشوارع وقص شعرهن، أعادت النساء فرض شروطهن في علاقتهن بالدولة، وفق ذات التقرير.

قالت سوزان تهماسيبي، مديرة “فيمينا”، وهي مجموعة تدعم المدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ومقرها واشنطن، إن هذا الوضع “يعكس غضب وإحباطات أجيال متعددة من النساء”.

وأضاف “الجدات والأمهات والبنات والحفيدات اضطرن لتحمل هذا العنف والإذلال على مدى سنوات عديدة”.

ومع كل هذه الجهود، والتغير في عقلية النساء، لم يتغير شيء رسميا بعد، إذ لا تزال الدولة تنظر إلى النساء اللاتي يتقن إلى الحرية على أنهن مجرمات.

يختم تقرير الوكالة بالقول “ربما اختفت سيارات شرطة الأخلاق التي كانت تطارد النساء في شوارع طهران المزدحمة، لكن القيادة الدينية لم تختف ولا تزال هناك تقارير عن قيام الشرطة بإيقاف النساء في الشوارع”.

انتشرت صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لنساء يسرن في الشارع أو يقمن بمهمات عادية وهن كاشفات شعرهن، وأدت إحدى تلك الصور إلى إلقاء القبض على واحدة بعد أن نشرت صورة لها وصديقتها أثناء تناول وجبة الإفطار في مقهى بوسط المدينة.

في زيارة حديثة لمركز تجاري راقي في شمال طهران، رأت ندى رجلا يذهب من متجر لآخر يحذر تجار التجزئة من التسامح مع العميلات والموظفات اللائي لا يرتدين الحجاب “بشكل صحيح”.

كما توجد تقارير عن إغلاق شركات أو معاقبتها بسبب السماح للنساء بالعمل في المكاتب دون تغطية شعرهن.

والشهر الماضي، أمرت محكمة في طهران بإجراء تحقيق للشرطة بعد أن شاركت موظفات في شركة DigiKala ، أكبر متاجر التجزئة عبر الإنترنت في إيران، صورا لأنفسهن من دون حجاب.

ولا تزال السياسة الرسمية بشأن “دوريات الحجاب” التي تؤديها بعض أقسام الشرطة، غامضة، حيث تتعارض المؤسسات المختلفة مع بعضها البعض أو تلتزم الصمت بشأن هذه المسألة.

A woman walks around a commercial district without wearing her mandatory Islamic headscarf in downtown Tehran, Iran, Friday,…

وكثيرا ما طالب مشرعون متشددون بسن قوانين جديدة، بعد ترسيم نهاية “شرطة الأخلاق” إثر الانتفاضة الأخيرة.

قال حسين جلالي، عضو البرلمان ورجل الدين، للتلفزيون الرسمي في ديسمبر الماضي، إنه يجب أن تكون هناك طرق لضمان “عودة الحجاب على رؤوس النساء الإيرانيات في غضون عامين”.

وتشمل بعض التدابير الحالية، منع النساء من دخول البنوك ومصادرة أصولهن الشخصية وكذلك المراقبة باستخدام برامج التعرف على الوجوه.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استخدمت الشرطة بالفعل لوحات ترخيص السيارات للتعرف على النساء اللاتي تم القبض عليهن بتهمة ارتداء “زي غير إسلامي”.

ويتم إرسال رسائل نصية إليهن تحذرهن من الغرامات أو التهديد بحجز سياراتهن.

وانتشر هذا النوع من الرسائل منذ بدء الاحتجاجات، وفقا لكيم، البالغة العمر 25 عاما في طهران والتي تعمل في شركة برمجيات.

ورفضت هذه الشاهدة الكشف عن هويتها بالكامل خوفا من انتقام النظام منها.

قالت: “حتى تطبيقات النقل، والشركات القريبة من الحكومة، تحاول استخدام هذه الخدمات ضد ما يتم وصفه بـ” الحجاب السيئ”.

ثم تابعت “لكن النساء ترتدي أوشحتهن لمدة 10 ثوان أو أيا كان الوقت الذي تستغرقه إدارة مهامهن المصرفية مثلا، ثم يخلعونها فور خروجهن إلى الشارع”.

“هذه الخلفية، تؤشر على أن هناك شعورا واضحا بأن المشهد الاجتماعي في طهران يتغير” يقول تقرير بلومبرغ.

كيم قالت بالخصوص: “حتى لو شعرت أن شخصا ما على وشك مواجهتي، لدي ثقة أكبر بالدفاع عن نفسي الآن”.

ثم تابعت “لقد وصل صوت الإيرانيات اللاتي ترفضن ارتداء الحجاب، إلى آذان الجميع، بلغ صوتنا جميع أنحاء العالم”.