سجال بو صعب-الشامي: صورة سيّئة أمام صندوق النقد

سابين عويس – النهار

لم يكن السجال الذي دار بين نائب رئيس المجلس #الياس بو صعب ونائب رئيس الحكومة #سعادة الشامي على محطة الجديد مساء الأحد خلال برنامج الزميل #جورج صليبي، إلا انعكاساً واضحاً لحال التخبّط والبلبلة ما بين الحكومة والمجلس حيال مقاربة الأزمة المالية في البلاد، وترجمةً للضياع والتداخل في السلطات رغم مبدأ الفصل الذي أقرّه الدستور، ويُفترض أن ينظم عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.




كان التناقض واضحاً ما بين المواقف أو حتى الاتهامات التي أطلقها بو صعب وبدت في غالبيتها تتكئ على حسابات أو خلفيات سياسية، وردّ الشامي الذي اعتمد المقاربة التقنية في توضيح النقاط التي أثارها بو صعب.

لم يكشف بو صعب جديداً عندما تحدّث عن هوة كبيرة بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، ولم يخطئ القول إن الصندوق يريد ضبط أموال التصدير ووضع قيود عليها، أو أنه ضد إنشاء صندوق لاستعادة الودائع من خلال إدارة أصول الدولة. فهذه كلها نقاط كانت محور مفاوضات طويلة وشاقة مع الصندوق الذي يعتمد معايير وتوصيات محدّدة لا تأخذ في غالب الأحيان بخصوصيات البلد المعنيّ، بل تطبّق في شكل شامل على الدول المعنيّة. ولم يتراجع الشامي عن مواقفه السابقة حيال أهمية وضرورة الاتفاق مع الصندوق على نحو يسمح للبنان بالحصول على الدعم الدولي والعودة الى الأسواق العالمية، مع تأكيده أن مصلحة المودعين تكمن في حصول الاتفاق. لكن بو صعب أخطأ عندما استنتج من محادثاته مع الصندوق خلال زيارته الأخيرة لواشنطن أن المفاوض اللبناني “مش شاطر”، وهذا الاستنتاج أزعج الشامي الذي يدرك تماماً كيف يعمل الصندوق وهو مسؤول سابق فيه، ويعرف بالتالي أن الصندوق لا يأخذ بأفكار تُطرح من نواب لأن ذلك يناقض المعايير الدولية التي يتبعها في التزام الفريق الرسمي المفاوض حصراً.

يقود هذا التباين الفاضح في وجهات النظر بين ممثل عن البرلمان وممثل عن الحكومة الى خلاصات سيّئة تعبّر عن حال التخبّط السائدة التي يدفع ثمنها البلد ومؤسّساته كما الشعب.
أولى الخلاصات تتمثل في غياب التنسيق التام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في مقاربة المواضيع والملفات المطروحة في التفاوض أو المحادثات أو في المحافل الدولية، وهذا يعني نسفاً لمبدأ فصل السلطات الذي كان يجب على بو صعب التزامه، بحيث لا يؤخذ عليه أنه أجرى مشاورات في شأنٍ هو موضع تفاوض رسمي بين الحكومة والمؤسسة الدولية، حتى وإن كان الأمر يقتصر على التشاور لأن من شأنه أن يؤثر على المفاوضات، ويظهر لبنان في موقع ضعيف حيث تتقاذف سلطاته الآراء المتناقضة حيال مسألة أساسية تعني مستقبل البلد والشعب.

ثانية الخلاصات يظهر حجم الهوّة بين السلطتين الثانية والثالثة، بحيث يفتح كل منها “على حسابه” في مقاربة الملفّ المالي. صحيح أن هناك نقاشاً في الداخل وصل الى حد التباين في مقاربة التعاطي مع الصندوق ولكن ذلك لا يبرّر دخول هذه التباينات الى أروقة الصندوق، ما دامت لا تؤدّي هدفها.

فإن كان لدى بو صعب أو المجلس عموماً مآخذ على عدم عرض خطة التعافي عليه، فإن الخطة موجودة لدى المجلس منذ أيلول الماضي، ولم تُدرج على أي جلسة عامة ولم تُناقش على قاعدة أنها لا تحتاج الى إبرامها في المجلس، بل هي أُرسلت للاطلاع وإبداء الرأي.

ثالثة الخلاصات تكمن في عدم تماسك السلطات وراء الخطة الحكومية والاتفاق مع الصندوق، وهذا عائد الى غياب الرؤية الموحدة أو التصور المتكامل لأطر المعالجات. وهذا ما يجعل السير في الإجراءات الإصلاحية المطلوبة من الصندوق أكثر تعقيداً، وقد تجلّى بوضوح في جلجلة إقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي يجرجر منذ بدء الأزمة قبل ٣ أعوام.

يغيب عن بال المشرّعين أن الحكومة سمّت الشامي رئيساً للوفد المفاوض مع الصندوق، وأن أيّ اقتراحات أو ملاحظات من الأفضل أن تُنسَّق معه، بما يعزز موقف لبنان التفاوضي الموحّد ولا يضعف الثقة به.

آخر الخلاصات يمكن استنتاجها من عملية تقاذف الاتهامات والمسؤوليات التي يبرع فيها المسؤولون، بحيث يُجَهّل الفاعل على حساب المفعول بتأويلات الضمير المستمر بصيغة الجمع، الملاذ الدائم والأخير للتهرّب من تحمّل المسؤولية!

في أي حال، المفاوضات مع الصندوق مجمّدة حالياً، بما أنها رهن تنفيذ لبنان التزاماته وإقرار الإجراءات المسبقة التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق قبل الولوج في البرنامج. وهذا يعني أن الكرة اليوم لا تزال في المرمى اللبناني المستقيل كلياً من مسؤولياته. وفيما كان يعوّل على انعقاد جلسة تشريعية من أجل إقرار الكابيتال كونترول، فإن هذه الجلسة طارت على خلفياتها السياسية ولا مؤشرات الى موعد قريب لها في ظل تمسّك رئيس المجلس بموقفه المتأنّي والمتريّث في الدعوة الى جلسة.

يبقى التطوّر الوحيد في هذا المسار الذي يمكنه كسر جموده من دون تحقيق خرق، في بعثة المادة الرابعة للصندوق الى لبنان التي تجري بعد فترة من الانقطاع، منذ عام ٢٠١٩ مشاوراتها السنوية لتقدّم تقريرها عن تطوّر الأوضاع. ويعوّل الصندوق على تفعيل عمل البعثة لمواكبة ما آل إليه تقدّم العمل بالاتفاق، وتبيّن تطوّر المؤشرات الاقتصادية والمالية لتحديد ما سيكون عليه البرنامج. لكن مسؤولي الصندوق يعون ويقولون ذلك دائماً أنه من دون تجاوب السلطات اللبنانية لا يمكن الصندوق أن يقوم بالعمل وحده، آخذين في الاعتبار التعطيل السياسي الذي يشكل العقبة الأساسية في وجه السير بالإصلاحات المطلوبة.