يقول البعض: “انقطع الرجا”… ويعقّب #السنيورة: “وهذا يعني الموت”. الأوطان يجب ألا تموت والناس يجب ألا تيأس على رغم كثرة الأسباب التي تدفع بها إلى اليأس. بهذه الكلمات يبدأ الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة حديثه لـ”النهار”، مشدداً على أنّ الصعاب كثيرة، وما يُروّج له اليوم مقصود، بهدف تيئيس الناس وإبعادهم عن المقاربة الصحيحة في التصدي للمشكلات الكبيرة التي يواجهونها”.
ويقول: “معالجة المشكلات تقتضي القيام بإصلاحات أساسية على الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية، لكن كل هذه المعالجات، على ضرورتها وأهميتها غير كافية، وتبقى من دون جدوى إذا لم تترافق مع عمل جدي لاستعادة الدولة لدورها وصلاحياتها وسلطتها. لا يمكن للتمنيات وحدها أن توصل إلى حلول ناجحة، بل يقتضي ذلك أن تترجم التمنيات بعمل هادف ودؤوب، والنضال الوطني ليس عملاً ولا قراراً بسيطاً يُتخذ بين ليلة وضحاها، بل هو عمل يتطلب مثابرة واستدامة. كذلك، فإنّ غياب الدولة اليوم لا يعني أننا نستطيع العيش من دونها، لقد أثبتت الأيام أنه لا يمكن أن نعيش من دون دولة”.
يستشهد السنيورة بما قاله الحجاج بن يوسف لأهل الكوفة قبل 1400 عام: “لأجعلن لكلِّ واحد منكم شغلاً في بدنه”؛ بمعنى إشغال المواطنين بهمومهم المعيشية والمالية والاجتماعية، بالكهرباء والماء وربطة الخبز والدواء والغذاء والمحروقات والتدفئة والاستشفاء وقسط المدرسة وغيرها، وهي على أهميتها وضرورتها، ولكنها كلّها مظاهر للمشكلات التي يعانون منها. وما يريده الفريق الآخر من هذه المقاربة تشتيت انتباه المواطنين، فيما لبّ المشكل، هو التدحرج والانهيار المستمر للدولة اللبنانية”، وهو الأمر الذي في معالجته يمكن أن تعالج كل المشكلات الأخرى. ولذلك يقول السنيورة بضرورة العودة إلى الخطاب الوطني…
في كلامه نوع من العتب خصوصاً على القامات الوطنية وحتى الدينية منها، فيما مطلوب منها أن تتعالى جميعها على السياسات والشعارات الضيقة، وبالتالي الذهاب أكثر باتجاه الخطاب الوطني؛ ويقول: “لقد تمّ جرّ الناس إلى فكرة عنوانها استرجاع حقوق المسيحيين، لينتهي عهد الرئيس ميشال عون بانهيار وضياع حقوق اللبنانيين جميعاً وفي مقدمهم حقوق المسيحيين”.
ويضيف: “للبطريرك دورٌ كبيرٌ يمكن أن يلعبه – وبشكل أساسي في هذا المضمار الوطني – لأنّه يمثل الصرح الذي كان في أساس تكوين لبنان، والمهم اليوم إعادة إحياء الخطاب الوطني، من هنا، نأمل من #البطريركية استمرار التحدث بخطاب وطني وتفادي الانزلاق إلى سياسة شدّ العصب الطائفي، التي يقوم بها جبران #باسيل – الذي برأي السنيورة – يبدو وكأنّه هو الذي يحدّد البوصلة ويحاول أن يجر الآخرين إليها”.
بالموازاة، يتابع السنيورة، “إنّ فكرة الذهاب الى مؤتمر دولي من أجل لبنان فكرة غير واقعية، لأننا نطلب شيئاً مقتضياته الدولية غير متوفرة. الحياد مساره طويل – وطويل جداً – والمثال على ذلك سويسرا. ولبنان اليوم غير موجود على “شاشة رادار” الخارج، في ظل ما يحصل في أوكرانيا وبقية البلدان، وهذا يتطلّب الذهاب باتجاه طروحات أكثر واقعية، والتركيز على فكرة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية مع الحرص على التمسك بالمبادرة العربية للسلام، وهناك فرق بين التحييد والحياد”. ولكن هذا كلّه يتطلب استعادة الدولة في دورها وفي سلطتها وهيبتها”.
الرئاسة قرار وطني
لا يؤيّد السنيورة نظرية أنّ قرار اختيار وانتخاب رئيس الجمهورية هو قرار مسيحي. ويضيف: “في العام 2014 صرحت من #بكركي بأنّ هذا القرار هو قرار وطني، وليس قراراً مسيحياً فقط، كما أنَّ قرار تسمية رئيس الحكومة هو أيضاً قرار وطني”. لكن يميّز السنيورة بين دور رئاستي الجمهورية والحكومة. “في النظام الديموقراطي البرلماني؛ رئيس الجمهورية يجب أن يكون فوق كل السلطات، هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، بينما رئيس الحكومة هو رئيس الأكثرية، وعندما يفقد رئيس الحكومة هذه الأكثرية “بيروح عالبيت”، بينما رئيس الجمهورية يستمر لكامل الولاية. ومثال على ذلك حصل – وبطريقة غير مسبوقة – ما دفع الرئيس الحريري إلى الاستقالة في العام 2011. ولكنها تدل على ما نصّ عليه الدستور لجهة استقالة أكثر من ثلث أعضاء الحكومة، وهو ما أدّى إلى استقالتها. وبناء على ذلك، استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011”.
لذلك، يتابع الرئيس السنيورة: “الرئيس القوي ليس فقط القوي بطائفته، بل القوي لدى جميع اللبنانيين، والقادر على مخاطبة جميع الناس وجمعهم تحت سقف الدستور واتفاق الطائف، واحترام الشرعيتين العربية والدولية. والرئيس يجب أن يكون مقبولاً ومؤيداً من غالبية اللبنانيين، ولا يتبنّى موقف فريق محدّد. فالرئيس هو حامي الدستور، وحامي كل اللبنانيين وليس المسيحيين فقط، وهذا ما يجب أن يكون واضحاً”.
ولا يَستبعد الرئيس السنيورة في كلامه دور التوازنات والتأثيرات الخارجية في اللعبة الرئاسية، خصوصاً أن أطرافاً داخليين، وفي طليعتهم “#حزب الله” ينقاد لأوامر إيران، التي تستخدم لبنان لبسط نفوذها وهيمنتها وتحسين قدرتها التفاوضية مع الغرب والولايات المتحدة، وهي لا تنطلق من ذلك في بسط نفوذها فقط في لبنان، بل وكذلك من خلال نفوذها في العراق وسوريا واليمن. ويعقّب السنيورة بالقول: “انّ إيران تمرّ الآن في وضع صعب على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية، وهذا ربما سينعكس تصعيداً من قبلها في لبنان، لأنه من الصعب على طهران التنازل الآن، وهي اعتادت على عدم تقديم تنازلات عندما تمر في أوضاع صعبة”.
النهار