إنتھت ولایة میشال عون الرئاسیة في ٣١ اوكتوبر ٢٠٢٢، وسط إخفاق البرلمان عدة مرات بانتخاب خلفاً له، ومخاوف من دخول البلاد في فراغ رئاسي من جدید. تأتي هذه المخاوف بالرغم من وجود خیارات كثیرة وأسماء عدة مطروحة للرئاسة مثل زعیم المردة سلیمان فرنجیة، قائد الجیش جوزیف عون، النائب میشال معوض والنائب السابق صلاح حنین ومن دون أن ننسى المرشحتین العلانیتین ترایسي شمعون ومي الریحاني. وحبذا لو وصلت المرأة في لبنان الى رئاسة الجمھوریة، سیكون تغییراً جذرياً بلا شك، فخلال الأزمات أثبتت النساء عالمیاً قدرتھن على إعطاء الحلول وتخطي الصعاب. ومع أن عون كان أول رئیس مدفوع بثقل شعبي كبير منذ ١٩٩٠، فھذا لم یشفع له، وطرحت الأسئلة حول كیفیة تمكنه من تطبیق شعار الإصلاح بعد أن أصبح شریكاً أساسیاً في السلطة مع القوى السیاسیة التي حمّلھا لسنوات المسؤولیة عن الوضع الاقتصادي المتردي والفساد في الدولة. أصبح عون وتیاره السیاسي في الواجھة، وباتا إلى جانب حزب الله یحملون وزر المشاكل الاقتصادیة والانسداد السیاسي الذي تعيشه البلاد، سیما بعد اندلاع احتجاجات ١٧ أكتوبر ٢٠١٩. بما یعني أن میشال عون یعتمد بشكل كبیر على حرص حزب الله على التحالف معه، حتى لو أغضب ذلك حلفاء الحزب الآخرین، لأن عون یوفر غطاءً مسیحیاً لحزب الله، بینما الأخیر یدعمه بالمقابل في الانتخابات والبرلمان، والتلویح بالسلاح إذا لزم الأمر.
وكل ھذا یؤكد وبضراوة أن القادة السیاسیين اللبنانیين، ومعظمھم رجال، یركزون على المصالح الشخصیة وعلى التحالفات لتحقیق المصالح الشخصیة ولیس لتحقیق مصلحة الدولة. لكن لبنان الیوم بحاجة إلى تغییر، وإلى وجود شخص قادر على التغيير، ویلبي حاجات الشعب وحقوقه، ویثبت الدیمقراطیة، وھذه أمور بإمكان امرأة طبعاً تحقیقھا، خصوصاً الأسماء المرشحة للرئاسة، أو تلك التي یتم الحدیث عن إمكانیة ترشحھا. إن ترشح النساء لرئاسة الجمھوریة یكسر الصورة النمطیة، ویؤكد أنھا یمكن أن تتولّى ھذا المنصب مثل الرجل، ویجب إعطاء المرأة في لبنان فرصاً لتؤكد أنھا قادرة أن تفید وطنھا على الصعید السیاسي، فھي تعمل بطریقة مختلفة عن الرجل، ولبنان بحاجة للاثنین معاً لإیجاد حلول للمشاكل التي یعاني منھا وقد ثبت عالمیاً أنه في الدول التي تشھد نزاعات، عندما یتم تسلیم امرأة زمام الأمور، فھي تقوم بإیجاد الحلول، لأنھا تعمل لتلبیة حاجات الفرد، ثم تنتقل للمجتمع الداخلي فالخارجي، وھذه نقطة مھمة لا یتوقف عندھا الرجل، وجائحة كورونا أكبر مثال على ذلك. لقد ثبت أن المرأة قادرة خلال النزاعات على إیجاد حلول مختلفة عن الرجل، وأن الرجل في السیاسة یسعى إلى السلطة، بینما المرأة تسعى إلى التغییر. ومن أھم خصائص المرأة، امتلاكھا غریزة الأمومة، وھذا یعني أن المرأة تجید لعب دور المسؤول جیداً، فھي تھتم بمن ھم تحت رعایتھا كما تفعل الأم تماماً مع أطفالھا وعائلتھا. كما أنھا تمیل إلى إیجاد الحلول الفعالة لمشاكلھم الخاصة، وتقدیم المساعدة لھم ومساندتھم بغض النظر عن انتمائھم ومستویاتھم وألقابھم. یمكنھا أن تكون شدیدة وحازمة حیناً، ولینة ومتفھمة حیناً آخر. ومن ناحیة أخرى، یقول علماء النفس أن النساء أكثر براعة في الانفتاح على الغیر من الرجال، وأنھن مستمعات جیدات، یسعین دائماً إلى فھم مشاعر الآخرین والاستماع إلى المشاكل التي تؤرقھم. وھذا الأمر یمكن المرأة من أن تكون قائدة ورئیسة للبلاد تعطي كل طائفة حقھا والمشاركة في المصلحة العامة للبلاد. ولأن المرأة أكثر تفتحاً وعاطفیة وإحساساً بالآخرین، فبالامكان الوصول إلیھا والتعامل معھا بسھولة. ولأنھا تھتم بآراء الآخرین وغالباً ما تحاول فھمھا وتفسیرھا، فإن المرأة قادرة على إقناع الآخرین بوجھة نظرھا دون اللجوء إلى المواجھات. ويحتاج لبنان حالیاً لمن یعرف ویفھم حاجات الناس، إذ أن السیاسیین اللبنانیین الیوم في مكان، والشعب في مكان آخر.
إن المشھد السیاسي اللبناني الیوم یصعب أن تصل فیه امرأة إلى رئاسة الجمھوریة، ولكن إذا ما بذلت الكتل النیابیة جھداً صغیراً في اختیار شخص من خارج المنظومة للنھوض بخطة تنقذ لبنان، یصبح ھناك حظوظ كبیرة للمرأة اللبنانیة بسبب وجود كثیر من الوجوه النسائیة المناسبة للعب ھذا الدور وحمل ھذا المشروع. ونجد مثلاً میرنا البستاني ھي أول امرأة تدخل البرلمان اللبناني في عام ١٩٦٣، الحائزة على بكالوریوس في علم النفس عام ١٩٥٨ من كلیة الآداب في جامعة لیون. وھي الیوم رئيسة مھرجان البستان الدولي للموسيقى والفنون منذ عام ١٩٩٤. وبولا یعقوبیان المذیعة السیاسیة التي كانت تقدم برنامجاً سیاسیاً عبر شاشة قناة المستقبل، لكنھا قررت أن تتخلى عن مھنتھا وتتجه للنیابة بنیة منھا لإحداث تغییر كبیر في بنیة المجلس النیابي الذي ضم لأكثر من ثلاثین عاماً الطقم السیاسي نفسه الذي أھلك وأفسد وأفلس البلاد. تقول الدكتورة كانیورو، الرئیس التنفیذي لصندوق النقد الدولي للمرأة، أن النظرة السائدة حول مھارة القیادة بدأت تتغیر. فالرأي الذي یقول أن الرجل ھو القیادي الأول لم یعد صحیحاً تماماً، إذ أصبح للطریقة والأسلوب الذي تنتھجه المرأة في مجال القیادة بصفة عامة التأثیر الأكبر في نجاح مھمة القیادة. فالھیمنة، كأسلوب للقیادة، صارت أقل شعبیة، وأصبح ھناك تقدیر متزاید أكثر للخصائص التي تتمیز بھا المرأة للمحافظة على ترابط وتماسك المجموعة وتوحید الجھود لإحداث التغییر في الحیاة العامة. فما الذي يمنع لبنان من ان يخوض تلك التجربة، وتغيير عن سلطة الرجال السارية منذ عقود. آن الأوان لتمسك المرأة بزمام الأمور في لبنان والدفع الى تغييرات جذرية لإنقاذ لبنان من حفة الهاوية.
المراجع:
https://www.aljazeera.com/news/2022/10/30/president-michael-aoun-leaves-office-as-lebanons-crisis-worsens
https://english.alaraby.co.uk/opinion/nobody-knows-lebanons-problems-better-its-women