لبنان مهدد بخسارة عامه الدراسي الرابع.. ودعوات لإعلان “طوارئ تربوية”

يتحضر لبنان للدخول في عامه الدراسي الجديد 2022 – 2023 فيما لم ينته بعد من التداعيات الكارثية للعام الدراسي الماضي، الذي لم يختتم نهائيا بعد، بسبب تأجيل وتسويف وتأخير كانوا سمات العام الفائت، ويبدو أنهم انتقلوا إلى مشهد العام الدراسي الجديد، بالأزمات والمعوقات نفسها، ليضعوا لبنان واللبنانيين أمام هاجس خسارة عام دراسي رابع.

وكان لبنان قد شهد 3 أعوام دراسية كارثية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ العام 2019، والتي أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق، أثر على ميزانية الحكومة ووزاراتها وإمكانية أدائها لمهماتها، فيما لم يستثن القطاع التربوي من تلك التأثيرات، لاسيما وأنه كان أيضاً من أبرز المتضررين خلال جائحة كورونا والإغلاق العام للبلاد، الذي تحولت معه المدارس إلى التعليم عن بعد، لتأتي بعدها الإضرابات والاحتجاجات التي عمت البلاد ولا تزال، اعتراضا على الأوضاع المعيشية.




وفي ظل تدهور دراماتيكي في المشهد العام اللبناني، ينذر بأوضاع أسوأ مقبلة على البلاد، بسبب تأخر المعالجات الحكومية وخطط النهوض الاقتصادي، ارتفع مستوى التحذيرات من إمكانية ضياع العام الدراسي الجديد، ووصلت إلى حد المطالبة بإعلان حالة طوارئ تربوية في البلاد لتدارك الأزمة الدراسية.

المكتوب من عنوانه

رفع من مستوى التخوف، انطلاقة متعثرة للعام الدراسي، كانت بمثابة العنوان الذي اختصر المكتوب، حيث أجّل وزير التربية والتعليم العالي في الحكومة اللبنانية، عباس الحلبي، بدء الأعمال التحضيرية والتسجيل في الثانويات والمدارس الرسمية من 5 سبتمبر 2022 إلى 15 سبتمبر، محدداً الثالث من شهر أكتوبر موعدًا لبدء العام الدراسي 2022 – 2023.

التأخير جاء بسبب تداخل موعد إجراء الدورة الثانية الاستثنائية من الامتحانات الرسمية 2021 – 2022 بعد تأجيل طويل، نتيجة إضراب موظفي القطاع العام في لبنان، وضمنهم موظفي وزارة التربية، الأمر الذي أخر أيضا في مواعيد التصحيح والإجراءات الإدارية المتعلقة بإصدار النتائج، ما أجبر الوزارة على التأجيل لـ 10 أيام، وفق ما يؤكد مدير عام وزارة التربية عماد الأشقر في حديث لموقع “الحرة”.

إلا أن هذا التفصيل قد يكون أبسط المعوقات التي تقف في وجه انطلاق العام الدراسي الجديد في لبنان، فإن كان التأخير قد اقتصرت آثاره على تأجيل 10 أيام، هناك مشاكل مزمنة يعانيها القطاع التربوي تهدد بتطيير كامل العام الدراسي قبل أن ينطلق أصلا.

إذ شهدت البلاد اليوم، انتفاضة تربوية للأساتذة والمعلمين في القطاع الرسمي، حيث تنقلت بين مختلف المناطق اللبنانية، من شماله إلى جنوبه، اعتصامات ووقفات احتجاجية منسقة، بدعوة من روابط التعليم الرسمي، أبرزها كان أمام وزارة المالية في بيروت، وأمام المناطق التربوية في طرابلس، النبطية، زحلة، راشيا، الهرمل وبعلبك، للمطالبة بتحسين أوضاع المعلمين المعيشية والمالية.

ويهدد الأساتذة بعدم الاستجابة لانطلاق العام الدراسي الجديد، قبل تحصيلهم لحقوقهم، وهو الأمر الذي يعتبره مدير عام وزارة التربية “المعوق الأساسي” لانطلاق العام الدراسي، مطمئنا إلى أنه “على طريق الحل”.

ويضيف الأشقر أن ” معالي وزير التربية وأنا وفريق عمل الوزارة نبذل جهودنا سعياً لتأمين الرفاه اللازم للأستاذ والتسهيلات المطلوبة عبر توفير المحفزات التي كانت تعطى في العام السابق، من أجل تأمين انطلاق العام الدراسي.”

من جهته وفي آخر تصريح له قبل يومين، أعرب وزير التربية اللبناني عن تطلعه إلى افتتاح العام الدراسي المقبل في المواعيد التي أعلنتها  وزارة التربية، مشيراً إلى أن “كل ما نقوم به من استعدادات لكي نصل الى استئناف الدروس في المواعيد التي حددتها الوزارة ونعول على تجاوب جميع اركان العائلة التربوية حيث لا خيار امامنا الا افتتاح السنة الدراسية واعادة التلامذة الى مقاعد الدراسة والاساتذة الى عملهم”، آملاً التوفيق “في تامين الوسائل التي تضمن توفير المستلزمات الضرورية والمعيشية واللوجستية لإطلاق هذا العام الدراسي”.

رص صفوف

إلا أن رياح الأزمة التي تعصف بلبنان، تسير بعكس ما تشتهي سفن الوزير، فالأساتذة من جهتهم، “يرصون الصفوف” في مختلف المناطق اللبنانية استعدادا لمواجهة حاسمة، قد لا يعودون بعدها إلى المدارس، إذا ما خسروها، وفق ما تؤكد رئيسة لجنة الاساتذة المتقاعدين في التعليم الاساسي الرسمي نسرين شاهين.

شاهين ترفض أن يتم تصوير مطالب الأساتذة وحقوقهم على أنها “عقبة” في وجه العام الدراسي، مشددة على أن عدم إعطاء الأساتذة لحقوقهم المكتسبة وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة، هو العقبة الحقيقية.

وتلفت في حديثها لموقع “الحرة” إلى أن الأساتذة لا يسعون، بأي طريقة من الطرق لعرقلة العام الدراسي، مضيفةً “نحن أكثر من يستشعر الخطر على العام الدراسي، خاصة الأساتذة المتعاقدين، الذين يشكلون نحو 70 في المئة من المعلمين في المدرسة الرسمية، يشعرون بالمسؤولية والانتماء، وعلى العكس فإن انطلاق العام الدراسي يساهم بشكل أساسي في استمرار عملنا، لذا التصويب علينا كمعرقلين في غير محله لكوننا متضررين من توقفه او تأخيره.”

المشكلة وفق شاهين أنه دائما ما يجري تأمين كل ما يلزم للعام الدراسي ويترك الأساتذة في آخر سلم الأولويات، وتقول “سبق ان حذرناهم من ترك الأمور حتى اللحظة الأخيرة قبل بدء العام الدراسي، وطالبنا بوضع خطة واضحة لمسار العام الدراسي، دون جدوى، حيث لم نلمس أي تغيير او تحسين لأوضاعنا على أرض الواقع.”

وتسأل “كيف يمكن إطلاق عام دراسي جديد فيما لم يؤمن للأستاذ أبسط مقومات الحياة؟ لا يزال لنا من حسابات العام الدراسي الماضي، فصلاً كاملاً لم نتلق عنه أي أجر، بالإضافة إلى الحوافز بالدولار التي وصلت على شكل مبلغ قيمته 37 مليون دولار من البنك الدولي لوزارة التربية، لم يصلنا منها إلا القليل، وتم توزيعها بطرق استنسابية تفاوتت بين الأستاذ والآخر، فقبض البعض 90 دولارا فيما البعض الآخر 10 دولارات فقط، بينما نصف الأساتذة لم يقبضوا أي مبلغ.”

“خطأ في السيستم”

ويقول وزير التربية أن السبب في ذلك ناتج عن “خطأ في السيستم”، وفق شاهين التي تسأل “هل يعقل أن وزارة تربية في الدولة اللبنانية بأمها وأبيها، لم تستطع أن تصلح نظاما يشمل داتا كل الأساتذة؟ أليس من المعيب أن ينتهي العام الدراسي الماضي دون أم يتم إصلاح هذا الخطأ؟ أو محاسبة من يديره ويشغله؟”

هذا الواقع أدى إلى عدم تقاضي الأساتذة لرواتبهم، حيث توضح شاهين أن الوزير وعد بتحويل رواتبنا لتصبح بنظام التقاضي الشهري بعد أن كان فصلياً، ولا يزال الدفع متوقفا منذ بداية العام حتى اليوم، حيث لم نتقاض رواتب شهرية ولا فصلية ولا حوافز إضافية، ما دفعنا إلى الإضراب 3 أشهر العام الدراسي الماضي، وتأثر وضع المدرسة الرسمية وطلابها الذين لم يتلقوا التعليم اللازم.

حتى مرسوم بدل النقل الذي انتشر في الجريدة الرسمية منذ شهر فبراير الماضي، لم يتقاضاه الأساتذة حتى اليوم بحجة عدم وجود سيولة مالية، بحسب شاهين، فيما كل موظفي القطاع العام تقاضوا بدل النقل ما عدا الأساتذة المتعاقدين، وتضيف “حقوقنا تفقد قيمتها في كل يوم تأخير، ما تقاضيناه على سعر صرف الدولار 17 ألف ليرة بداية العام الدراسي الماضي، بات اليوم سعر الدولار 35 ألف ليرة.”

ويطالب الأساتذة بتعديل رواتبهم بما يتناسب مع الغلاء المعيشي الواقع في لبنان، وبمساواتهم مع غيرهم من الموظفين في القطاع العام، كالنواب وموظفي مصرف لبنان وغيرهم ممن باتوا يتقاضون رواتب مدولرة على سعر صرف 8000 ليرة، فيما الأساتذة يتقاضون رواتبهم المصروفة على سعر 1500 ليرة.

وتضيف شاهين “فليعيدوا تسعيرة ساعة التعليم إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، 20 الف ليرة، ولنحصل عليها ضرب 8 أضعاف لتكون الأمور عادلة ومتساوية. أما أن يقال لنا ستحصلون على 40 ألف ليرة بدل ساعة التعليم، فإنما يقولون أن ساعة التعليم التي كانت تساوي 13 دولاراً في الماضي، باتت اليوم بدولار واحد.”

لا تعليم قبل الحقوق

“إما أن يتفضل الوزير ويقدم لنا الحد الأدنى من حقوقنا ومقومات صمود المعلم وإلا سنكون أمام مزيد من الاعتصامات كالتي شهدها العام الماضي وسنكون في الشارع نطالب بحقوقنا”، تؤكد شاهين وتلفت إلى أنه مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم “بالتأكيد لن نتوجه للتدريس في الثالث من أكتوبر، وهذا ليس كلامي وحدي إن سألتم اليوم أي أستاذ، يجيب لا يمكن العودة إلى التدريس دون تحصيل حقوقي.”

وتكشف رئيسة لجنة الاساتذة المتقاعدين في التعليم الاساسي الرسمي، أن الأساتذة سيعتصمون أمام وزارة التربية لوضع الوزير أمام مسؤولياته، “فإما ان يقوم بواجبه ويؤمن حقوقنا وإلا فليضع استقالته على الطاولة وليقول أنا عجزت عن تأمين حقوق هؤلاء الأساتذة المكتسبة، فلا أحد يعمل ويعيش بلا راتب، حينها نكون نحن والوزير في خندق واحد، أو أننا لن ننطلق نهائيا بالعام الدراسي وسنعود إلى منازلنا، وليجدوا من يعمل دون أجر.”

شاهين تلفت إلى أنه حتى الأساتذة المثبتين في ملاك الدولة اللبنانية، وعدوا منذ منتصف العام الماضي أنهم سيحصلون على زيادات على رواتبهم ولم يحصلوا عليها بالإضافة إلى معاناتهم أيضا مع عدم استحصالهم على بدلات النقل بسبب عدم مقدرة الحكومة على الدفع.

ويتراوح معاش الأستاذ المثبت في الملاك ما بين مليون و700 ألف ليرة و3 ملايين و600 ألف ليرة، أي أن المعدل الوسطي للرواتب يتراوح بحدود المليونين ونصف، لا تساوي اليوم 100 دولار، ولا تتجاوز الـ 200 دولار مع الحوافز، لذا يطالب الأساتذة بحوافز إضافية بقيمة 200 دولار بالحد الأدنى.

الأهالي “خائفون أيضا”

ولأن المشكلة متشعبة، فإن كل طرف فيها، يرى ما يعنيه فيها من مشاكل، فالأهل أيضاً في لبنان يعانون من هواجس مختلفة عن تلك التي يعانيها الأساتذة، حيث تتركز المشكلة على هذا الجانب بالمدفوعات المرتقبة، بدلاً من الأجور.

ونظرا لعدم تصحيح الرواتب والأجور في لبنان، فإن أبرز مخاوف الأهالي تتمثل بارتفاع سعر صرف الدولار عما هو عليه اليوم (35 ألف ليرة)، وأن تزيد المدارس بالتالي مدفوعات غير محسوبة، وفق ما تؤكد رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل.

وفي حديثها مع موقع الحرة تلف الطويل إلى أن “الناس خائفة من تسجيل أولادها في المدارس ودفع المستحقات ومن ثم ابتزازهم خلال العام الدراسي عبر طلب مزيد من المبالغ المالية تحت ذرائع وحجج مختلفة، إضافة إلى دولرة الأقساط الذي تعتمده المدارس، وهو أمر غير قانوني نرفضه تماماً، لأن القسط المدرسي يجب أن يكون بالعملة اللبنانية نظراً لأن الموازنة المدرسية بالعملة اللبنانية.”

بدل النقل، بات يمثل كلفة كبيرة، يحسب الأهالي حسابها أيضاً، لاسيما وانها مرجحة للارتفاع المستمر بفعل ارتفاع أسعار المحروقات من جهة وارتفاع سعر صرف الدولار من جهة أخرى.

ويطال الأهالي بإطلاعهم على كافة الزيادات المتوقعة منذ بداية العام الدراسي، وفق الطويل التي تلفت إلى وجود مشروع قانون ناقشه الأهالي مع وزير التربية، من أجل إدراج أي زيادات ضمن الموازنة المدرسية السنوية “دون بدع الصناديق المنفصلة والمستقلة التي لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة وهذا مرفوض من جهتنا.”

وتعبر رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة عن خشية الأهالي من أن يتكرر ما قد جرى في الأعوام الماضية، “أن تتقاضى المدارس الخاصة الزيادات من الأهل، دون أن ترفع من أجر الأساتذة والمعلمين لديها، كما حصل بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب ما أدى إلى إضرابات طويلة.”

هناك أيضاً مخاوف من الوضع الأمني، بحسب الطويل  “لاسيما في ظل ما نسمعه من تصريحات سياسية متوترة وتهديدات وتصعيد ومخاطر اندلاع حرب وغيرها من التهديدات الأمنية، وهنا مخاوفنا مثل مخاوف جميع اللبنانيين.”

“المستوى التعليمي بخطر”

تشير شاهين إلى أن لبنان خسر 35 في المئة من الكوادر التعليمية في التعليم الرسمي، “ومن بقي لا يزال يترقب فإذا حصلوا على حقوقهم فسيبقون وإلا سيرحلون هم بدورهم أيضاً خارج البلاد، أو خارج التعليم.”

هذا الواقع يشكل خطراً على المستوى التعليمي في مدارس لبنان، ويقلق الأهالي وفق الطويل التي تؤكد أن المدارس الخاصة أيضاً “فقدت قسماً كبيراً من كوادرها التعليمية في السنوات الماضية، بسبب الهجرة والأزمة الاقتصادية وتداعياتها.”

ولكي تعوض هذا النقص، بحسب الطويل “أدخلت المدارس الخاصة أساتذة جدد يفتقدون إلى الخبرة التعليمية لأن تكلفتهم أرخص ويمكن إرضائهم بأقل، وهنا نطالب وزارة التربية بممارسة دورها الرقابي وتفعيل التفتيش التربوي كما يجب لمراقبة نوعية التعليم المقدمة، خاصة بعد ثلاث سنوات من النقص التعليمي الذي تسبب به التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا، والآن نظرا للرواتب المنخفضة هناك كثير من الأساتذة تركوا المهنة كلياً وبتنا نلاحظ شح في الكفاءات.”

النواقص التي تتسبب بها الأزمة الاقتصادية انسحبت أيضاً على التجهيزات واللوجستيات في المدارس، فيما عمدت بعض المدارس إلى مخادعة الأهل، بحسب ما تؤكد الطويل، التي تضرب مثالاً ببند التبريد والتدفئة الذي يدرج كتكاليف إضافية في كل موازنة مدرسية.

“إكتشفنا فيما بعد في حالات عدة، أن التكييف والتدفئة تصل لمكاتب الإدارة فقط،  فيما لا يحصل الطالب في الصف على هذه الخدمات. وهذا واقع شائع جداً وهنا أيضاً يجب تفعيل دور وزارة التربية في الرقابة على المدارس وكيفية صرف مدفوعات الأهل، فحتى التأمين الصحي الذي تتقاضاه المدارس على الأولاد، ٢٠$ عن كل طالب، نكتشف فيما بعد انهم أمنوا من أصل 1000 طالب 100 فقط بتأمين تبلغ قيمته ٧$”، وفق الطويل.

ويعاني الأهل من غياب القضاء التربوي في لبنان، وتقول الطويل “نحن كأهل ليس أمامنا حتى الآن ولم يشكلوا لنا المجالس التحكيمية التربوية التي تمثل القضاء الفاصل ما بين الأهل والمدارس، وهذا متعمد بلا شك لا يريدون تشكيلها إلا وفق محاصصات طائفية، خاصة وأن معظم المدارس الخاصة تابعة أو ممسوكة من الأحزاب السياسية، هذه المدارس في الواقع أقوى من وزارة التربية، ولا يرضخون لقراراتها.”عوائق لوجستية

ويحيط بالعام الدراسي الجديد أيضاً عوائق لوجستية عدة، لا تقل مخاطرها عما سبق، فيما معالجات وزارة التربية لا زالت متأخرة جداً عن حجم المشكلة، وفق ما تؤكد شاهين.

أبرز العوائق حتى الآن يتمثل في تأمين الأموال لصناديق المدارس حيث أن هناك صناديق لم تتلق أي أموال من اعتمادات وزارة التربية منذ ٣ سنوات، بحسب شاهين، التي تلفت إلى أن الاعتمادات المفتوحة بالليرة اللبنانية ما عادت اليوم تكفي حاجات المدارس ومتطلبات التعليم بعد انهيار قيمة العملة، وبالتالي من غير المعلوم إذا ما كانت المدارس قادرة على تلبية التكلفة التشغيلية، أم لا.”

في هذا السياق، تعتمد وزارة التربية على برنامجين يتم العمل فيهما مع الجهات المانحة، التي ستأخذ على عاتقها قسما كبيراً من هذه التكاليف التشغيلية، بحسب ما يؤكد الأشقر.

ويلفت مدير عام وزارة التربية إلى أن الوزير سيطلق، في السادس من الشهر الحالي، خطة للعام الدراسي المقبل، وسيتم توضيح الأمور، “وحتى الآن أنا استبشر خيراً فالأمور بمعظمها باتت مؤمنة، ولاسيما المازوت الذي يعتبر أساسياً في كافة القطاعات كما في التربية، وليس أمامنا من حل إلا أن نتأمل خيراً ونعمل على هذا الأساس.”

هناك أيضاً مشكلة نقص المستخدمين (المسؤولين عن التنظيف والترتيب داخل المدارس)، حيث أن هناك كثير من المستخدمين الذي توقفوا عن العمل في المدارس الرسمية، خاصة بعد رحيل العاملات الأجنبيات عن لبنان، من مختلف الجنسيات، وبحسب شاهين “من كان يعمل في المدارس وجد أعمالاً في المنازل بمعاشات ثابتة وأوضاع أفضل للعمل، خاصة أن يوميتهم لا تتجاوز الـ 35 ألف ليرة لبنانية، أي نحو دولار واحد، هناك مدارس كانت تضم عاملتين في كل طابق، اليوم كل المدرسة تعتمد على عاملتين فقط.”

وهناك أيضاً عائق تلفت إليه شاهين، يتعلق بقدرة الأهالي على تمويل تعليم أبنائهم، لاسيما لناحية المواصلات، “وهذا بحاجة إلى دعم خاص لتنقلات الطلاب من منازلهم من أجل تأمين التعليم فعلاً للتلامذة الأكثر فقراً والحد من التسرب المدرسي الذي يتعاظم بفعل تأثيرات الأزمة المعيشية.”

إعلان طوارئ

في ظل كل تلك المعطيات، دعا رئيس لجنة الشباب والرياضة النائب سيمون أبي رميا إلى “إعلان حالة طوارئ تربوية من أجل إنقاذ العام الدراسي”، لاسيما بعد تراجع عدد  المسجلين في المدارس الرسمية من 380 ألف تلميذ عام 2021 إلى 284 ألف تلميذ مسجل عام 2022”.

وكشف أبي رمياً أن هناك 45 ألف طالب من أصل 380 ألف تركوا المدارس “ولا نعلم وجهتهم، قد يكون جزء منهم غادر لبنان ولكن المرجح أن يكون القسم الأكبر منهم ترك الدراسة بسبب عدم قدرة الأهل المادية على تعليم أبنائهم ما اضطر التلاميذ إلى البحث عن عمل لمساعدة عائلاتهم.

وفي حديث لموقع “الحرة” أسف أبي رميا لكون وضع الشباب اللبناني اليوم كارثي فيما أرقام تقرير اليونيسيف أتت صادمة لتكشف أن 83 في المئة من شباب لبنان يسعون للهجرة بسبب البطالة فيما 77 في المئة من المهاجرين هم من فئة الشباب.

النائب اللبناني لفت إلى أن نسبة التسرب المدرسي بلغت 55 في المئة، وهي مرشحة للارتفاع مع بداية العام الدراسي بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية مع ازدياد نزوح الطلاب من المدارس الخاصة إلى الرسمية “غير المؤهلة لوجستيا لاستقبال أعداد كبيرة من الطلاب.”

مؤامرة على المدارس الرسمية

ويعرب أبي رميا عن تخوفه على مصير العام الدراسي “في ظل هذا الوضع والأزمة القائمة وإضراب أساتذة التعليم الرسمي، لاسيما وأن 13 في المئة من الاولاد دون 18 عاماً، دخلوا سوق العمل لمساعدة عائلاتهم ماديا”، مؤكداً أن على المدارس القيام بدورها لمحاربة التسرب المدرسي “فللأسف الدولة لا تولي المدارس الرسمية الاهتمام.”

يتفق النائب في ذلك مع شاهين التي ترى أن هناك “سياسة ممنهجة في سياق مؤامرة على التعليم الرسمي، الذي يضم نحو 37 في المئة من طلاب لبنان، تشارك فيما وزارة التربية وروابط التعليم التابعة للأحزاب والسلطة السياسية من أجل ضرب المدرسة الرسمية في سبيل تعزيز المدارس الخاصة التابعة لتلك الأحزاب ومؤسساتها.”

يأتي ذلك فيما يقدّر مدير عام وزارة التربية نزوح نحو ١٥٠ ألف طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية في لبنان، وهو ما يرفع من التحديات في قدرة المدارس الرسمية على استيعاب هذه الكمية من الطلاب.

ويقول الأشقر أن انتقال الطلاب إلى المدارس الرسمية ناتج عن الأزمة المعيشية “وغلاء الأقساط التي حصلت بغير وجه حق قانوني، وهذا العدد التقريبي هو ناتج عن مراقبتنا ومشاهداتنا للواقع، ونبذل في هذا الوقت كل جهدنا لنكون حاضرين لاستقبال هذا العدد الكبير من الطلاب في المدرسة الرسمية، حيث أن هناك مناطق كبيرة سنتمكن فيها من استقبال الطلاب، لكن هناك مناطق قدرتها الاستيعابية أقل.”

ويعزو الأشقر سبب المخاوف العامة على العام الدراسي إلى كون البلاد ” تعيش على صفيح غير مستقر، أقل ضربة بإمكانها أن تهز كل الاستقرار، ارتفاع الدولار لوحده من شأنه أن يضرب كل حسابات العام الدراسي.”

من ناحيتها تؤكد شاهين أن “كل ما يقوم به الوزير مع المنظمات الدولية لم يثمر حتى الآن، والمسؤول في هذا المكان هو وزارة التربية والحكومة اللبنانية التي لم تعتمد شفافية في أدائها، فحين أقدم البنك الدولي على دعم التربية والتعليم الرسمي في لبنان، الوزير لم يقدم كشف حسابات كيف صرفت الأموال، وحتى الآن البنك الدولي يسمع أن نصف الأساتذة لم يتقاضوا أجورهم.”

وتختم أن “عدم الشفافية أدى إلى انعدام الثقة الدولية بالدولة اللبنانية، وهو ما يؤخر اليوم وربما يعرقل مساعدة المنظمات الدولية للتعليم في لبنان، وهذه من أبرز العوائق أمام انطلاق العام الدراسي المقبل”.