
ابراهيم بيرم – النهار
على رغم أن ثمة اقتناعاً ترسّخ في المشهد السياسي المحتدم ومفاده أن احتمال الفراغ الرئاسي يبدو غالباً ويلقي بظلاله الثقيلة للمرة الثالثة منذ عهد جمهورية الطائف، وهو ما يحتم الانصراف نحو البحث عمّا يفيد ويدير الفراغ ويدوّر الأزمات عبر السعي لاستيلاد حكومة أصيلة، رُصدت في الأيام القليلة الماضية تحركات واتصالات بعيدة عن دائرة الضوء وتجري بأقل قدر ممكن من الضجيج وترمي الى تهيئة المسرح لليوم الموعود والحل المنشود الذي سينتج عن خلطة تجمع بين التوافق الداخلي بحده الأدنى ودعم دولي إقليمي بغية إيجاد تسوية – صفقة تتيح فتح أبواب قصر بعبدا أمام ساكن جديد.
التحركات والاتصالات الخفيّة بلوغاً لهذا الهدف ليست جديدة بطبيعة الحال، فهي تجري خلف الستارة منذ أشهر عدة وعلى أكثر من ساحة، إلا أن العنصر المستجد على الخط هذه المرة هو أن “#حزب الله” بدأ يخرج من دائرة اللاموقف الحاسم الى مربّع البحث الجدّي وسبر الأغوار لرسم خريطة طريق بالتنسيق مع حليفيه المسيحيين الرئيسيين اللذين أعلن أنه ليس في وارد تجاوزهما وهما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس “تيار المردة” #سليمان فرنجية، ويتعيّن عليه تالياً إما أن يدعم أحدهما بعد إقناع الثاني بالتنازل للآخر في مقابل التفاهم على صيغة شراكة في الحكم أو إقناعهما وهذا الاحتمال الأضعف وربما الأشق بأن يتوافقا معاً على تزكية اسم ثالث يمضي الجميع الى توفير فرص الدعم له لبلوغ كرسيّ الرئاسة الأولى.
حسب المعطيات المتوفرة من أكثر من مصدر فإن قيادة “حزب الله” أوفدت في الايام الماضية رسولاً الى باسيل وكان السؤال المحوري الذي طرحه عليه الموفد هو: ما الشروط التي تريد والرؤية التي تعرض لكي نتوصّل معاً الى صيغة تكون فيها الشريك الأول في العهد الرئاسي المقبل إن قُدّر أن يكون على رأسه سواك؟ واللافت أن باسيل اعتصم بالصمت طالباً المزيد من الوقت لدرس خياراته خصوصاً أن الإجابة عن هذا السؤال تعني خروجه التام من السباق الى القصر الرئاسي وتنازله عن هذا الهدف، وهو الذي يجد نفسه مرشّحاً طبيعياً له.
ووفق المعلومات أيضاً، فإن موفد الحزب قصد باسيل ثانية ومعه السؤال عينه فوجد عنده الإجابة نفسها.
الجليّ أن سؤال الرسول وإجابة المرسل إليه قد تناهيا بشيء من التفصيل الى علم فرنجية. واللافت أن زعيم “تيار المردة” أسرّ لمقربين منه باستيائه من تصريحات منسوبة الى سياسيين حلفاء طبيعيين له أخذوا يشرحون ما سموها “شروط باسيل” وهو أصلاً لم ينطق بها.
وفي كل الأحوال، أقام فرنجية على دلالات وأبعاد الحادثة نفسها (السؤال والجواب) استنتاجاً فحواه أن “حزب الله” قد قرر أخيراً الخروج من مربع الصمت الذي اعتصم به طويلاً حيال هذا الموضوع رافضاً الإفصاح عن مرشّحه ومتجنباً إعطاء وعد أو كلمة لأيّ أحد، ومن ثم انتقل الى دائرة المقاربة العملانية للموضوع الذي صار فرنجية أسيره وشغله الشاغل. فضلاً عن أن الحزب قد بدأ بهذا التصرّف والسلوك يجيب تلقائياً عن السؤال الذي طالما بحث فرنجية عن الإجابة القاطعة عنه وهو متى يفرج الحزب عن خطته وعن خياراته في هذا الصدد فينجلي الغموض الذي يكتنف موقفه؟
وعلى هذه المستجدات يبدو أنه ارتفع منسوب التفاؤل عند فرنجية خصوصاً أن ثمة معلومات وصلت إليه مفادها أن الحزب قرّر إيفاد أحد كبار مسؤوليه إليه في الأسبوع الطالع ليتداول معه الخيارات العملانية للمرحلة المقبلة وفي مقدمها مسألة الانتخابات الرئاسية واحتمالاتها كافة.
بناءً على كل هذه الوقائع الجديدة والواعدة بالنسبة لفرنجية ما لبث أن اتخذ مع فريق عمله الخاص قرارات تصبّ في تقوية سبيل تكريسه مرشحاً طبيعياً محتملاً لديه فرصة كبرى، وهو ما يعني أن فرنجية قرّر إعادة استئناف حركته السياسية وتفعيلها في أكثر من اتجاه، علماً بأنه كان قد بدأها مبكراً وكانت أبرز محطاتها زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة وما أدلى به من كلام نوعي على منبر هذا الصرح. وثمة سبب إضافي يدفع فرنجية الى هذا الفعل وهو دحض معلومات راجت أخيراً وفحواها أن فرنجية الموقن بأن حظوظه تكاد تكون معدومة قرّر الجنوح نحو الاستكانة والانتظار وإيقاف محرّكاته السياسية.
وفي هذا الإطار ذكرت معلومات أن فرنجية قرر أن يكون له في الأسبوع الجاري لقاءات مع قوى مسيحية – مارونية أولاً لينطلق بعدها في رحلة التواصل مع قوى وشخصيات غير مسيحية ومنها بطبيعة الحال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
ومن المقرر أن يتواكب هذا الحراك مع إطلالات إعلامية يحرص فيها على تقديم خطاب وتوجهات تصالحية تهدوية.
وفي السياق نفسه أعدّ الفريق الإعلامي – السياسي المحيط بفرنجية في الأيام الماضية شريطاً إعلانياً – إعلامياً مصوّراً (وُزّعت نسخ تجريبية أولى منه لاستجماع الآراء حولها) بهدف توزيعه لاحقاً على محطات التلفزة. ويتضمّن الشريط الخطوط العريضة لبرنامج فرنجية وفيه أنه “يحمل صفة المرشّح الطبيعي ل#رئاسة الجمهورية “وأنه “قادر على بناء جسور العلاقة أكثر من الرغبة في هدمها” وأنه “صديق لإيران ولكن ليس عدواً للسعودية”، وأنه استطراداً “قريب من سوريا لكنه مدرك أن لبنان لا يُحكم من دمشق”، وأنه “لا يحمّل أيّ طرف أو جهة مسؤولية ما هو حاصل في لبنان فالمشكلة الأساس هي في الخطأ الذي بُني عليه النظام السياسي في مرحلة ما بعد الطائف”. وفي إشارة الى توجّهاته المستقبلية إن هو تولّى المنصب الرئاسي فهو “لن يمارس سياسة الانتقام من أحد ولن يوصد بابه أمام أحد” والوعد أنه “لن يزرع جماعته في الوزارات والإدارات”.