بري استوعب الهجمة عليه وشرع في هجوم مضاد… وفي صور سيقول “الكلمة الفصل” في كل الملفات

ابراهيم بيرم – النهار

ببساطة يلاحِظ راصدو الحركة السياسية في عين التينة ان الرئيس #نبيه بري يمارس في الآونة الاخيرة سياسة “تقنين” اطلاق المواقف وخفض منسوب التصريحات الى الحد الادنى. وهو إنْ شاء البوح والافصاح فبأقل قدر من الكلمات، ومثالها الاخير كان انتقاده الناعم والمهذب لاداء الرئيس المكلف #نجيب ميقاتي وتأخير استيلاد الحكومة الموعودة.




الرئيس بري في مسيرته السياسية الطويلة ما اعتاد هذا الاقتصاد والتكثيف في الكلام المباح، لذا فان المقربين منه يردّون على هذا بان “الامر لن يطول وستأتي الساعة والموقف الفصل لدولة الرئيس عندما سيقف خطيبا على المنبر الأعز على نفسه ونفوس “الحركيين” وهي ذكرى 31 آب، ذكرى تغييب الامام موسى الصدر”. وتُعدّ العدّة لهذا اليوم في المكان ذي القيمة الرمزية الكبرى عند كل أتباع باني النهضة الشيعية في لبنان وهي “ساحة القسَم” في بوابة صور.
في تلك الجغرافيا سيقف بري في ذلك اليوم ليطلق الكلام النوعي العميق المتصل بكل الملفات العالقة والمتراكمة، من الرئاسة الاولى الموشكة على الشغور مقرونا بالخوف من فراغ مديد، الى تأليف الحكومة المتعثر، مروراً بالترسيم البحري المنتظر وطبعاً انتهاء بموضوع الوفاق الداخلي والاصلاح السياسي، وهما العنوانان اللذان امضى صاحب الذكرى الشطر الاكبر من عمره وجهاده وهو يرفع لواءهما.

لكن ذلك، على بلاغته واهميته، لا يسقط استنتاجا عند الراصدين لحركة بري، في الاشهر التي اعقبت جولة الانتخابات النيابية الاخيرة، وفحواه ان سيد عين التينة مارس منذ ذلك الحين اداء معيّنا وانه بإطلالته الموعودة في ساحة صور سيعلن عبر مواقفه المنتظرة الخروج من هذا الاداء ليلج عتبة اداء آخر ومرحلة مختلفة.

وجلاءً للالتباس يقول هؤلاء ان بري مارس في الاشهر الاربعة التي تلت محطة الاحتكام الى صناديق الاقتراع والنتائج التي افرزتها خصوصا في دوائر الجنوب، نوعا من التقيّة السياسية تندرج تحت عنوان عريض هو: استيعاب آثار الضربات المتتالية التي تلقّتها حركته من دون ان يفصح عن اي مظهر ألم أو قلق أو وهن، الى درجة ان ثمة من يروي ان مقربين منه حملوا اليه غداة ظهور نتائج الانتخابات المؤشرات التي بيّنت بوضوح تراجع الاصوات التي نالها مرشحو الحركة، فردّ عليهم: “لا تجزعوا ولا تخافوا، فنحن رغم كل تلك المعطيات سنبقى كما تعهدون ولن يبدل في الواقع شيئا”.

ثم كانت الضربة الثانية التي تلقّاها بري والمتجسدة في الرقم المتواضع من الاصوات الذي ناله ابان ترشحه لولاية سادسة لرئاسة المجلس، وهي الاكثر تواضعا منذ ترشح للمرة الاولى لسدة الرئاسة الثانية قبل اكثر من ثلاثة عقود.

وايضا، وفق المحيطين به، لم يصدر عن الرجل اي اشارة توحي بالقلق، فهو كان ينتظر تلك اللحظة ويعي ان عدد كارهيه في المجلس قد آل الى ارتفاع، وأيقن ان عليه ان يواجه جيلا جديدا لا يعرفه ولا يعرف قيمة حضوره في أي معادلة سياسية او مجلسية.

ولم يطل الوقت حتى شنّ بري ومَن والاه هجمة مضادة لـ”استعادة الهيبة” وتأكيد الحضور والتجذر أمام الذين ذهبت بعقولهم سكرة النصر مقرونة بتحول في مزاج الشارع وارتفاع النقمة على النخبة السياسية الحاكمة. وفي الجلسة الثانية للمجلس الجديد بدأت حملة الاستيعاب للوافدين الجدد الى ساحة النجمة حاملين معهم اعتقادا ان بامكانهم تجاوز كل الحدود والقيود، فكانت المساجلات مع نائبات بادرن الى الشكوى للإعلام من جراء التعرض لهن، ولكن لم يطل الوقت حتى ايقن الوافدون انهم صوّبوا على الهدف الصعب وواجهوا الثابت وسط المتحولين فما لبثوا ان ارتضوا بالامر الواقع.

الراصدون لمسيرة بري في الآونة الاخيرة باتوا على قناعة بان الرجل لم يحتج إلا اقل من ثلاثة اشهر ليسترد ما بدا انه فقده خلال اعوام، وتحديدا منذ انطلاق “حراك 17 تشرين” الذي ركز التصويب عليه حصراً بعدما نجح الآخرون في التواري عن الانظار.

وكان الاستيعاب الثاني وربما الاهم بحسب المصادر نفسها، بالعودة الى اداء دور القطب في اللعبة السياسية، وكانت الفاتحة في اعادة وصل ما انقطع مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي عرف انه ربح المعركة الانتخابية وصار لزاما عليه ان يحدث انعطافة في مساره السياسي منذ نحو ثلاث سنوات. ومن على باب عين التينة اطلق اشارة البدء بالاستدارة ليكملها لاحقا بلقائه مع قيادة “حزب الله” والتي استكملها بحملة التصريحات شبه اليومية التي تقدم برهانا عمليا على انه ماض قدماً في ما بدأه.

لكن الثابت ان بري هو المستفيد الأول، خصوصا مع دنو موعد الانتخابات الرئاسية. فالاصوات النيابية التي يملكها بري وجنبلاط و”حزب الله” مع آخرين تقرب من السبعين صوتاً، وهو رقم وازن وفاعل في اختيار الرئيس المقبل وفي رسم افق المرحلة التالية، لاسيما بعد خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا وخفوت وهج العونية السياسية.

وبري، ولاريب، مستفيد ايضا من جانب آخر متأتٍ من ان “حزب الله” لا يملك المعطيات السياسية والنيابية نفسها التي اتاحت له في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ان يفرض عليه رئيسا رغم علمه باعتراضه المطلق على هذا الخيار.

وواقع الحال هذا يجعل بري ينتظر ساعة يأتي اليه فيها الحليف طالباً منه المساعدة والدعم في الاختيار وادارة المعركة، خصوصا اذا صدقت المعلومات التي تقول بان الحزب بات يعلي من قيمة امرين معا هما: الاتيان برئيس قادر ومطلق اليد على الفعل والتخفيف من الازمة. والثاني انه لا يرغب في تكرار ان الرئيس المقبل محسوب عليه وتاليا مطلوب منه توفير الدعم له على الدوام.