
غسان الحجار – النهار
سقطت مقولة “الرئيس القوي” مع تجربة الرئيس #ميشال عون التي تمضي الى نهاية غير سعيدة له شخصياً، ولتياره “الوطني الحر” الذي حلم بإصلاح وتغيير يتحققان مع بلوغ قصر بعبدا، ولمناصرين ومؤيدين اعتبروا انه فرصة حقيقية للبلد، لكن آمالهم سرعان ما تبددت وخسر “التيار” اصوات هؤلاء في كل استحقاق. النهاية غير السعيدة الأهم، اصابت البلد ككل، اذ بعد فراغ لعامين، لم يتمكن العهد من ملء هذا الفراغ الذي تمنى كثيرون لو استمر بدل الانحدار السريع الذي اصاب لبنان على كل المستويات.
وكان الراحل جان عبيد يردد تكرارا ان الرئيس القوي ليس بعضلاته او بعدد اتباعه، وانما بحكمته ورجاحة عقله وقدرته على التوفيق بين المتناقضات التي تحكم البلد بعد فهم الواقع اللبناني بشكل دقيق، اذ ان كل تغيير لا ينطلق من فهم عميق يمكن ان يتحول الى فوضى لا يمكن ضبطها دائما بالسرعة المطلوبة قبل ان تتحول الى حرب تتكرر في البلد كل مدة من الزمن.
لكن في المقابل، ثمة سؤال او اسئلة عن هوية الرئيس ومواصفاته، من دون الدخول في لعبة اسماء مبكرة لأوانها، فهل ان الرئيس يجب ان يكون معزولا عن الحياة السياسية وعن الواقع، حتى تهبط اسماء معلومة مجهولة، يدّعي داعموها انها لم تتلوث في الادارة اللبنانية وفي الشأن العام، وانها عملت طويلا وانتجت نجاحات في الخارج؟ وهل يملك رجل الاعمال الناجح المؤهلات الفعلية لقيادة بلد معقد التركيبة مثل لبنان؟ ثم مَن قال إن الذي هاجر وترك البلد في ساعة الشدة ليبني مستقبله ويراكم ثروته وينقذ ابناءه من جحيم الحروب، يمكن الركون اليه في الصعاب؟
أما بعد، ثمة ايضا تساؤلات في مجال تحديد مواصفات الرئيس ووضع “دفتر شروط” للمرشحين، في حين تمر انتخابات رئاسة مجلس النواب مرور الكرام، ولا يُسأل المرشح الاوحد عمليا، عن اي التزامات سابقة ولاحقة، ولا تصدر بحقه “فيتوات” جدية إلا من نواب جدد ارادوا تثبيت وجودهم قبل الدخول في لعبة السلطة. حتى ان المعارضين لانتخاب رئيس المجلس لم يفتحوا دفاتر عتيقة.
ومثله ما يحصل مع رئيس مجلس الوزراء، الذي بات يملك فعليا مقاليد السلطة التنفيذية، في مقابل سلطة التعطيل للرئيس في بعبدا. هل من وضع دفتر شروط ومواصفات، ام ان الكلام عن احباط سنّي يستدعي عدم التوقف عند ايّ من الاعتراضات لعدم اثارة مشاعر استفزاز وتحدٍّ؟
الواضح اليوم، ان الرئيس الذي يمثل المسيحيين في التركيبة الثلاثية أو الرباعية، بات رهينة الآخرين، وهؤلاء يسعون الى “أسره” بكل ما أوتوا من قوة، اذ يضع هذا “فيتو” على اسماء مرشحين “اقوياء”، ويحدد الآخر دفتر شروط، ويرسم الثالث خريطة طريق لأي رئيس مقبل.
هل هو فائض القوة التحالفية النفعية المستمرة ضمناً، والتي تترجم ما ذهب اليه البعض من اعتبار ان المسيحيين خرجوا من الحرب خاسرين، وبالتالي فان موازين القوى تبدلت، اضافة الى الديموغرافيا، وان حصتهم الفعلية في عملية الاختيار تراجعت الى هذا الحد؟
لا أدافع عن ايّ من المرشحين، ولا عن ايّ من الاسماء المطروحة، ولا يلبي معظمهم طموحي الى دولة عصرية، مدنية، متقدمة. لكني في المقابل لا أجد في منتقديهم، وفي حاملي الشارة الحمراء لمنع وصولهم الى بعبدا، أو في واضعي دفاتر الشروط، ما يؤهّلهم ليشكلوا سلطة تحكيم وقرار، لان ماضيهم يشبه ماضي الآخرين وربما يكون اكثر سوءا.