
كل ما حولنا يذكّرنا بمأساة 4 آب 2020، حتى الامتحانات والشهادات، فكيف بالاعياد والحلقات الاجتماعية. لا زلنا نعاني من التداعيات، النفسية والاجتماعية، وايضا المادية التي لا يمكن نسيانها في مدينة تفتقد الروح، وتبرز فيها آثار الخراب والدمار. الأحبة الذين غابوا، وما اكثرهم، لا يزال الالم يعتصر قلوب ذويهم ومحبيهم. وهذا الالم يتعاظم، لان الحقيقة لا تزال ضائعة في مجاهل دولة يتصارع اهلها على حقائب وزارية ومنافع ومكاسب، كأن شيئاً لم يتغيّر.
صحيح ان الانفجار كبير كبير، والجريمة كبيرة، لكن الفظاعة تكمن في تضييع الحقيقة، وتعطيل التحقيق، ومعه شلّ كل القضاء، والاسوأ الاستقواء على القضاء والانقلاب عليه بحجة الحصانات. الحصانات نفسها التي تحمي كل المجرمين الذين اغتالوا رفيق الحريري وجبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل وغيرهم، هي الحصانة السياسية قبل الوظيفية التي تغطي المجرمين والقتلة، ولا تسهّل عمل القضاء، وتمنع تسليم المجرمين للمثول امام العدالة، بل على العكس لا توفر فرصة للتشكيك بكل القضاء، لتقضي على اسس الدولة، كل دولة، اذ ان دولة لا قضاء فيها لا تبقى دولة، ودولة قضاؤها عاجز عن تنفيذ مذكرة جلب واحضار وتسليم مدان، ليس لها مقومات البقاء والنهوض.
في المرحلة التي سبقت الانتخابات النيابية الاخيرة في 15 أيار الفائت، تبارى المرشحون في “دعم” القضاء السيّد والحر والمستقل. انتهت الانتخابات ولم يتبدل شيء، ولن يتبدل، لان الجميع يدركون ان تلك العبارات المنمقة انما هي وعود انتخابية كاذبة، لان قيام قضاء حقيقي يعني زجّ معظم تلك الطبقة السياسية، ومعها معظم العاملين في الادارة اللبنانية، في السجون التي لن تتسع لهم. الانفجار كبير، وكذبة اصلاح القضاء ودعم عمله واستقلاله، اكبر من الانفجار.