قراءة نقدية للباحثة رلى ذبيان لكتاب “الأقليّات في الشرق: مَنْسِيّو التاريخ”

نظّمت جمعيّة One Voice Foundation ندوة حواريّة حول كتاب الباحث تيغران يغافيان بعنوان ” الأقليّات في الشرق : منسيّو التاريخ” في دير سيّدة البير- بقنايا- بتاريخ ٩ نيسان ٢٠٢٢- شارك فيها: المؤلّف ( من باريس) و المفكّر انطوان فليفل ( من باريس) عبر خاصية zoom وحضورياً الباحثة رلى ذبيان.

و فيما يلي مداخلة الباحثة رلى ذبيان…
الأقليّات في الشرق: مَنْسِيّو التاريخ
كتاب الباحث تيغران يَغاڤيان
المقدمة: تعريب رلى ذبيان – الجامعة اللبنانية




ثورات العالم العربي

إن كانت الأقليّات اليوم «على الموضة»، فإن اللفظة، لانعدام التوافق في شأنها، تلتَحف ملامح ضبابيّة، بل إنها، لمَسامِيّتها، تمتَصّ أكثر من معنى وتَفي بأكثر من مَرْمى. ففي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، يُحكى عن «أقليّات فاعلة» أو عن «أقليّات بارزة للعِيان»، وفي الحالات القصوى، عن «دِكتاتوريّة الأقليات». وإن كان الأنموذج التعدّدي الثقافات هو المثال الذي يتناغم معه العصرُ في الغرب، فإن ضِفاف شرقي المتوسط تعرُض لمشهدِيّة مختلفة تماماً.

منذ تفكّك الإمبراطورية العثمانية وتَشَظّيها في ختام الحرب العالمية الأولى، والسيرورة التجانُسِيّة الإكراهيّة تواصل تقدمها بلا هوادَة، واجدةً لها في التطهير العِرقي والطائفي الحثيث والخَفيّ المُقْتات بسلسلة من التقلّبات الجغراسِيّة ما يُسرِّع وتيرتَها ويضبُطها على إيقاع الارتجاجات الزلزاليّة التي تمزّق منطقةً مُثقلةً باستعادات الذاكرة وارتدادات الصراعات.

لا يكُفّ الشرقُ المَكْلوم، الذي أقبل كل من لامرتين وڤولنيه وغيرهما من رحّالة القرن التاسع عشر الرومنطيقيّين على وصفه، وقد افْتُتِنوا به لكونه «مهد المسيحيّة الأول»، عن الاحتضار. إذ، عقب العام 1947، نال الاضمحلال من المتّحدات اليهوديّة في كل من حلبَ ودمشقَ وبيروتَ وبغدادَ والقاهرة، فيما كاد الزوال التام يَجْتَثُّ الأرمن والآشوريّين الكَلْدان والسُّرْيان واليونان البُنْطُسِيّين، من مَنْبِت أجدادهم الأناضولي، وقد سُحِقوا بوحشية في جَبّالة الدولة – الأمة. وبين عامَيّ 1894 و1924، أتت إبادة طال أمدُها ثلاثين حولاً، تبعتها سياسة دمويّة امتثَلت للزوميّات «الهندسات الديمغرافيّة»، على مسيحيّي آسيا الصغرى، حيث كان الأرمن والآشوريّون واليونان يمثّلون، نهاية القرن التاسع عشر، قرابة ثلاثين في المئة من مجموع سكان القسم الأناضولي من الإمبراطورية العثمانية، مقابل اثنين في المئة انتهى إليهما تَعدادُهم في العام 1924.

على الرغم من ذلك، عمد معظم المؤرخين إلى معالجة هذه الموجات من المجازر كأحداث متفرّقة ووقائع معزولة فيما انبَرَت الحكومات التركيّة المتعاقبة عارضة لها كسلسلة من الحوادث المؤسفة الناتجة عن حالة الحرب. وحدها لا تزال قائمة شاهدة على زمن خلا، رُكْمَةٌ من الخرائِب وثُلَّة من النساء والرجال خَلَّفهم سيف المذابح، وهم المتحدّرون من أسلاف اهتَدَوْا إلى المسيحية، لـ «يَتَدثّروا بالتّقِيّة»، متساكنين مع أحفاد جلّاديهم، في بلاد تُنكِر عليهم تاريخهم المؤلَّف فيها.

استعادة تبصّريّة للتوظيف التاريخي

يساعد مفهوم «الأقليّات»، سواء في الشرق الأدنى أم في الشرق الأوسط، على الدلالة على المتحدات المسيحية والمِلَل الإسلامية البِدْعِيّة المرتدة، ويقال إنه ظهر خلال القرن التاسع عشر بتأثير من المفهوم الأوروبي في الدولة – الأمة، قبل أن ينتشر استخدامُه تدريجاً فيتعمَّم. ولقد أدّى استغلال الأقليّات، التي رَمَتْ بها القِوى الإقليميّةُ والدوليّةُ، طَوْعاً أو كَرْهاً، وسْطَ الرهانات الجغراسيّة، إلى تقويض الركائز العتيقة التي كانت هذه المجتمعات التعدّديّة تقوم عليها، فجعلتها بذلك أكثر هشاشة وقابليّة تالياً للعَطْب والضعف. تلك هي الطريحة التي يدافع عنها مؤرّخ الشرق الأدنى ووزير الاقتصاد اللبناني الأسبق، جورج قرم الذي يجد أن اليعقوبيّة الفرنسيّة هي التي شكّلت كيفية النظر إلى هذه الأقليّات الدينيّة أو الإثنية وتصوّر مكنوناتها. وارتكازاً على هذا المنطق، فإن أيّ شكل من أشكال الخصوصيّة قد يعرّض الدولة – الأمة الحديثة الولادة إلى الخطر، لحظة زوال الإمبراطوريات من ذوات التعدّديات الإثنيّة والطائفيّة. وبالتالي، يعود للدول القادرة على استشراف ما ستدركه من سَطْوة ونفوذ، أن تجد لها متّحدات تُنَصِّب نفسها وصيّة عليها «حامية» لها.

لقد سبق لفرنسا – وهي «بِنْتُ الكنيسة البِكْر» – بخاصة و«للغرب الممدِّن» بعامة، أن عثرا في كنائس الشرق القابعة تحت النّير العثماني على «ضحايا مثاليّة للإغاثة». فهي محبّةٌ للسِّلم داعية إلى السلام، بريئةٌ من كل خُبث وسوء، وخاضعةٌ لطغيان الأتراك والأكراد؛ وإن كان الانحطاط والتخلّف ملازمَيْن لحالها، فإنهما مَعْزُوّان حصراً إلى الهيمنة العثمانية. وبهذا وجدت أوروبا ما يصلُح تمامًا لصياغة رسالتها في الشرق القاضية منها إنقاذ هذه الكنائس، وإرجاع تلك المنشقَّة منها إلى حظيرة روما وحضن العالم المسيحي المُسَمّى «متحضّراً». ولقد أظهر التاريخ كم كان هذا الالتزام الذي تعهّدت به القِوى العظمى كارثيّاً ومشؤوماً؛ إذ لا تزال المتّحدات التي ادّعت الذّود عنها، تدفع ثمن هذا الالتزام غالياً.

إن بحثنا اليوم عن لفظ «مسيحيي الشرق» متوسّلين الشبكة الرقميّة، لوجدنا في رأس القائمة كلمات وصوراً مرتبطة بالفواجع وراشحة بالدماء. وعوض أن تكون المواقع الإلكترونيّة زاخرة بالمراجع الأكاديمية في الأدبيات الدنيويّة أو الدينيّة التي حبّرها آباء الكنيسة السُّريان، وجدناها فيّاضة بمعلومات عن منظمات غير حكومية وجمعيات متنوعة راغبة في إغاثة هذه أو تلك من الأقليّات المضطهدة، وإن كانت هذه الرغبة لا تحول دائمًا دون اصطدام هذه الهيئات بمنطقها التنافسي الخاص. إن هذه النزعة إلى النظر إلى الأقليّات بوصفها ضحايا مغلوبة على أمرها، وإن كان المسوِّقون لها من أصحاب الإرادات الأكثر مَناقبِيّة، لن تساعدنا على إدراك الثراء العظيم الذي يكتنِف عليه تراث مهدّد بالتَّتْحيف عندما لا يأتي عليه التدمير. ففي زمن «ثورات العالم العربي» – وهذا اسم لا يوصِّف واقعها بحقّ -، نجدنا وقد وصلنا إلى حِقبة مِفْصليّة، إلى لحظة الحقيقة. مرّة جديدة، تسلّط الأضواء على هذه الأقليّات، وهو ما يشهد عليه تكاثر المؤلفات التبسيطيّة النهج المكرّسة لها، لتتجلّى مرآةً تعكِسُ ذاك الآخر القابع في كلّ منّا والذي أردنا اجتنابه بل والهروب منه. إن ما نراه في هذه الصفحة الصّقيلة لهو وجهٌ تجرّد، إلى الحدّ الأقصى، من التّذلّل والتّصاغر، وجسد دخل طواعية رحابة «الكينوسيس»، أي «التفريغ الذاتي» من مقتضيات الأنا، وتقبَّل الإرادة الإلهية تقبّلاً خالصاً.

شهد العام 2014 كيف أنَّ صور يَزيدِيّي سِنجار أو مسيحيي سهل نِينَوَى الفارّين من وجه القتلة المأجورين المنضوين في الدولة المسمّاة «إسلامية»، تجوب أصقاع العالم، لحظة اضطرار ستين ألف شخص يقطُنون بَخْديدا (أو قَرَقوش) إلى الرحيل عن مدينتهم وقد روّعتهم النكبة التي حلّت بهم في تلك الليلة المشؤومة الواقعة فيه بين السادس والسابع من آب/أغسطس من العام 2014، بضغط من قتلة داعش المأجورين ومن لَفّ لفَّهم من المتواطئين معهم.

كُثُر هم الذين واكبوا هذه الصور المتلفزة واستشعروا بها كما لو أنها كانت عَوْداً على بَدْءٍ اتّخذ له من العام 1915 موقعاً زمنياً: فالأماكن هي نفسها، والضحايا هي عينها، وردّات الفعل الوجِلة الصادرة عن المجتمع الدولي ترجع صدى سابقاتها، والسّخط العاجز هو أمام الهمجيّة المعروفة هو هو الأخرى. وفي زمن شبكات التواصل الاجتماعي، لم يُعْمَل إلا على تلوين الصور وبثّ المأساة مباشرة على الهواء.

هذا واقع، فالموضوع يتذبذب وينتفض بشحنة انفعاليّة قويّة: هاكُم رجالاً ونساءً يتهدّد الإفناء وجودهم بحجّة ثباتهم على إيمانهم وعلى رعاية تقاليدهم فوق تراب توراتي قبضت الفوضى على خِناقه. مع ذلك، يبدو لنا وضعهم وضعاً تناقضياً: إذ، إن كان حجمهم الحقيقي في تآكُلٍ وعددهم في تناقصٍ لا يعرف هوادةً، فكيف لكياناتِهم أن تكون منظورة بهذا الوضوح في الفضاء العام؟ إنَّ الارتكابات العُنفِيّة التي يذهبون ضحيّتها تشكل موضوعاً إعلامياً متنامي الأهمية لاستحواذ شبح زوالهم عن منطقة شهدت ولادة المسيحية، على الخواطر والأفهام. فإن انتهت بهم المظالم إلى الزوال، لاستحال الشرقُ الأوسط، ولأول مرة في تاريخه، إلى كُتْلَوِيّة أحاديّة تتربص بها الأصوليّات والعصبيّات من كل شكل ولون.

انقضى قرن على إبادة الأرمن والآشوريّين الكَلْدان والسُّريان واليونان البُنْطُسِيّين، التي ارتكبتها حكومة تركيا الفتاة وأنجزتها السلطة الكمالية. وفي ضوء هذا المعطى، فإنه من الملائم أن يُصار إلى اقتراح تفحّص نقدي للمسؤولية الأخلاقية التي تُثقِل وِزْرَ القِوى الغربية من ذوات التسويفات والمماطلات التي لا تفعل سوى مفاقمة عذابات أولئك الذين ادّعت حمايتهم. فهم، وفي ما يشبه التحلّل الذين يقبعون فيه، ما كانوا يوماً بهذا الوهن الذي نراهم فيه.

مرة جديدة، وإذ هم في دائرة الضوء، يجب على مسيحيي المنطقة عقدَ العزم على مواجهة التحديات الكبرى، وأوّلها تساكنهم الخطير مع إسلام بات أكثر فأكثر تشدّداً؛ وثانيها تداعيات النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي؛ وثالثها الصعوبة التي تحول دون توحّدهم؛ وآخر هذه التحديات هو ضرورة التخلّص من هذا الظهور الدائم بمظهر الضحية المغلوبة على أمرها. ففي زمن الثورات العربية المضادة وما يرافقها من تصلّب في المواقف التسلّطيّة، نرى أن وضعهم القانوني كأقليّات يضعفهم على نحو مزدوج. ومن خلال هذا المنظور، ثمّة مسألتان مطروحتان أكثر من أي وقت مضى: مسألة التحرّر من وضع «الأقليّة المحميّة»، ومسألة الحاجة إلى الإفادة من مواطنة كاملة ناجزة. فإن لم تضطلع هذه الأقليّات بدور الوسيط بين الشرق والغرب، فأي معنى تعطيه لمستقبلها في بيئة إقليمية ما عاد التنوع مقبولاً؟ ولأن فشل الأنظمة الدنيويّة قد عمل على إقصائهم في هامش المجتمعات حيث يقيمون، فإن الاعتبار غير ملازم لمسيحيي الشرق في صراع الجبابرة الذي يضع كلّاً من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في المواجهة، من خلال السنّة والشيعة الداخلين، في ظل هذا الواقع المتفجّر، في «حرب المئة عام»، تلك الحرب التي سيخسرون فيها كل شيء. ومن شأن الاضطرابات والتقلّبات التي أدى إليها الغزو الأميركي الكارثي للعراق في العام 2003، أن ينبأ الأقليّات المسيحية بأن الشرق لن يتَّسع، وحالته هي هذه، إلا للأقوى، أقلّه «للأقوياء في نفوسهم [المقاوِمة] لا للضعفاء».
مديد هو الزمن الذي اعتُبِرت فيه معضلة المسيحيين استحضاراً لمسألة الشرق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: أليست هذه المعضلة، وقبل أي شيء آخر، مختبراً لدَمَقْرَطَة مجتمعات الشرق الأدنى؟ أليست هذه القضية، وبمعزل عن الأعداد والنِّسب المئويّة، مسألة مواطَنَة ودفاع عن الحقّ في الحرية والمساواة والكرامة في بيئة سياسية تنكِر على التنوع حقّه في الوجود، لا بل ترفضه رفضاً قاطعاً؟

مما لا شك فيه أن الشرق العربي خاصة والعالم العربي الإسلامي عامة، يحتاجان إلى نهضة جديدة، وأعني إلى تكييف التقاليد الدينية مع مقتضيات الواقع المعاصر، وهو ما سيجيز لهما إعادة فتح الأبواب وسيعةً أمام الاجتهاد في تفسير النصّ المقدس. غير أن ذلك يقتضي إصلاح العلاقة التي تربط هذه المتحدات بالغرب، علماً أن القصور الإبصاري والتبصّري الملاحَظ لدى الغربيين يَنْتُجُ، وفي الكَمّ الأكبر منه، عن غياب الرؤيا وعن البحث عن المصالح القصيرة المدى للغاية. بل إن الأقليات المسيحية في الشرق ما عادت تصغي لما يقولونه، لكثرة ما اتهموا به من تَخَلٍّ عن قيمهم مقابل بضعة ليترات من النفط والغاز، ومقابل أمن الحليف الإسرائيلي غير المشروط.

أخيراً، إن كان المسيحيون يشكّلون المجموعة الدينية التي تكابِد الاضطهاد أكثر من غيرها، فإنه لا ينبغي لمأساتهم أن ترخي بظلالها السوداء على القدر الغاشم المنزَل بغيرهم من أبناء المتحدات الأخرى في المنطقة، كالصابئة والشَّبَك والتركُمان أو اليزيديين، وهم كلهم أقليّات مُنَغَّص عيشها في العراق. كما لا ينبغي بهذه المأساة أن تلقي بوشاحها الحيِيّ على مسؤوليتهم فيما آلت إليه حالهم وما انتهَوْا إليه من مصير. أخيراً، لا ينبغي للمأساة عينها أن تخفيَ القدر المقسوم للغالبية في هذه المنطقة، حيث نجدها تجمع بين واقعين متناقضين: واقع الضحية التي تعاني تَبِعات اللعبة الغربية، وواقع المتواطئة الضالعة في اللعبة عينها.

لست هنا بصدد إضافة شكوى جديدة إلى مظلوميّة مسيحي الشرق المِطوالَة وبخاصة أن أقليّات أخرى ومنها اليزيديّة تواكبهم على درب الجُلْجُلَة عينها. لذا تراني أحصر قصدي في البحث عن الأسباب التي تجعل من القصور الإبصاري للغرب، قصوراً لا جديد فيه، وفي البحث عن تلك التي تجعل من مسؤوليته الأخلاقية والسياسية مسؤولية جمّة. زِد على ذلك، أن غرضي يتمثل في تقصّي الأسباب التي تجعل من التدخل في الشؤون الداخلية للأقليّات في الشرق وتحمّل المسؤولية في حمايتها، مسائل ترتد سلباً على هذه الأقليات عينها، علماً أنني لا أغفِل البحث في الأسباب التي جعلت من «النخب المسيحية في الشرق» مسؤولة – وإن رغماً عنها في غالب الأحيان – عن النكبات اللاحقة بإخوتها في الإيمان.

لا، ليست مسألة الأقليات في الشرق الأوسط مسألة دينية، بل إنها تقتضي معالجة من زاوية الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الحقّ في التنوع. ذلك أن التنوع هو وحده قادر على ضمان الاستقرار واستباق التعصّب المذهبي. وبكلام آخر: لا بد من «عَلْمَنَة» هذا الموضوع الذي يستحيل إبقاؤه وَقْفاً كالإقطاعة على الإكليركيين وحدهم دون غيرهم.

لا، ليس تقهقر مسيحيّي الشرق تقهقراً عصيّاً على الانعكاس. ذلك أن هذه الأقليّات، وعلى الرغم من معاناتها جراء اصطخاب التقلّبات الراهنة واستشراء الفوضى الإقليمية، تعيد انتشارها وتموضعها في الفضاء الشَّتَاتي العابر للقوميّات وهي، في بعض الأحيان، تختبر نوعاً من اليَقْظة الهُويتِيّة، مفيدة من تنقّل النماذج الثقافية، ومن اللقاء بالغيرية ومن ابتكارات التكنولوجيا المعاصرة. وإذ هم مواطنون من الدرجة الأولى في بعض البلدان، و«محميّون» أو عرضة للتمييز في أخرى، فإن أفراد هذه المتّحدات يتقدمون ويتطورون في سياقات اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة لكل منها فرادته التي تميّزه. لذا، فإن في عملية جمعهم في كُلٍّ كُتْلَوي لن يؤتي إلا تَغْشِيَة للبصر وبلبلة للفكر، كما أنه سيقوّض قدراتنا على طرح هذا الموضوع الذي يعنينا جميعنا، على بساط البحث المستضيء بالنقد.