
اسكندر خشاشو – النهار
يسير قطار التحالفات واللوائح الانتخابية خطواته الأخيرة قبل انتهاء الموعد في 4 نيسان، لينهي معه مرحلة شدّ الحبال وجلسات التفاوض الطويلة ورفع السقوف، لينطلق سباق آخر نحو الحشد، ليوم الانتخابات الكبير.
بحسب القانون الحالي في لبنان، فالانتخابات هي سلسلة معارك مترابطة على شكل حلقات في سلسلة، أيّ خلل في إحداها يؤدّي الى فرط السلسة كاملة، فهذه المعارك تبدأ من اختيار المرشح نفسه، ثمّ تنتقل الى حلقة المفاوضات الصعبة، ثم الى تشكيل اللوائح وهي المرحلة الأصعب، لأنها تختصر أكثر من ثلاثة أرباع الطريق الى مجلس النواب.
وبحسب العاملين بالشأن الانتخابي، ففور انتهاء تشكيل اللوائح يستطيع المراقب معرفة النتائج قبل الاقتراع، وهذا ما حدث في لبنان في الانتخابات السابقة، وهذا ما بد أ يظهر أيضاً في الوقت الحاضر، بحيث ستنحصر المعارك الجدّية على 15 أو 20 بالمئة في الحد الأقصى من عدد مقاعد البرلمان.
وعلى هذا الأساس انطلقت أغلبية القوى وخاصة القوى التي تملك الخبرة الانتخابية والماكينات الانتخابية الضخمة وركّبت لوائحها، لكن بدا لافتاً في هذا السياق ما يقوم به “#حزب الله” تجاه “#التيار الوطني الحر”.
جنّد “حزب الله” جميع طاقاته لحماية حليفه، بدا على استعداد لأن يختلف مع جميع حلفائه لحدّ التضحية بهم كرمى لعينَي جبران باسيل.
وجهد الحزب لفرض مرشح “التيار” عن المقعد الكاثوليكي في بعلبك الهرمل، ما دفع الحزب السوري القومي الاجتماعي الى الحرد، كما فرض المرشح الماروني في البقاع الغربي، ما خلق إشكالاً جدّياً مع حليفته حركة “أمل” التي تعتبر نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي مرشحها، وترشيح حزبي “عوني” في للائحة يؤثر مباشرة عليه، بالإضافة الى مقعد الأقليات في بيروت، والتضحية بجميع حلفائه في زحلة كآل فتوش و”القومي السوري” مقابل ترشيح عون. ولم تتوقف العملية عند الحد، ضاعف ضغطه على الحلفاء في أماكن غير موجود فيها، كالضغط على الحزب السوري القومي الاجتماعي للتحالف معه في المتن، ومفاوضة الى حدّ الضغط على سليمان فرنجية لعقد تحالف مع باسيل برغم الخلافات الشاسعة بين الطرفين، وهو يكمل ضغطه على وئام وهّاب لفك التحالف مع ناجي البستاني لأنه رفض أن يكون ضمن كتلة باسيل في حال فوزه رغم ما يملك البستاني من كتلة ناخبة مؤثرة على مستوى التحالف عموماً. لم تسلم منطقة واحدة من الضغط، حتى الطاشناق نال ما ناله من ضغوط للرضوخ لطلبات باسيل.
يقرأ أحد مؤيّدي “التيار الوطني الحر” سابقاً الأمر بطريقة سوداوية، فيرى أن الأمر أصبح خطيراً ويدلّ على دونية وضعف كبير صار مقلقاً على المستوى المسيحي عموماً.
ويعود في قراءته الى حين عُقد اتفاق مار مخايل الذي وُلد إثر اتفاق بين قامتين صلبتين، واحدة تملك شرعية شعبية مسيحية كبرى وأخرى تملك السلاح والحضور، وهذا ما خلق توازناً بين الشخصيتين، ولهذا السبب بقي هذا الاتفاق لسنوات طويلة بعكس كل الاتفاقات والجبهات التي عُقدت عبر التاريخ اللبناني، التي لم تصمد لأشهر رغم أهمية شخصياتها وقربهم السياسي كالتفاهم الثلاثي بين ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميّل، وغيرها من الجبهات.
لكن ما يجري، بعد الوهن والضعف الذي أصاب “التيار الوطني الحر” نتيجة أدائه وعدم التزامه بطروحاته وشعاراته السياسية، أن هذا التوازن انقلب وأصبح مختلاً كثيراً، وانتهت الشراكة، وأصبحت مهمته وظيفية فقط مقتصرة على حماية دور “حزب الله” في لبنان وتأمين ما يشبه الغطاء المسيحي لا أكثر.
ويحذر من أن هذا الأمر يلحق الضرر البالغ عند المسيحيين، فالانتقال من مشروع بناء دولة الى حماية السلاح والدويلة غريب عن هذه البيئة ولم تعهده من قبل.
ويسأل: “هل يعقل أن من كان المرشحون يتنافسون لدخول لائحته يعجز عن إيجاد حليف أو إقناع أيّ شخصية كالذي يجري في المتن الشمالي، مثلاً”، مضيفاً أن الطامة الكبرى في الأمر هي ما يجري في زحلة، مدينة زوجة ميشال عون التي اجتاح #الانتخابات النيابية فيها عام 2005، أما اليوم فلم يجد شخصية كاثوليكية واحدة تقبل التحالف معه، لتصبح لائحة زحلة هي لائحة “حزب الله”، ويتحوّل مرشح “التيّار” كفرد على لائحة الحزب.
ويختم ساخراً: “انتقلنا من مرحلة قيادة الشارع المسيحي، الى مرحلة الاستجداء، ولا مشكلة في مسح جميع الخطابات والهجومات وخطابات مكافحة الفساد، عندما يرفع المرشح العوني يديه مع غازي زعيتر في بعلبك الهرمل، وكذلك سيفعل آلان عون وشربل ومارون وإدكار طرابلسي مع فادي علامة وقبلان قبلان ومحمد خواجة”.
في المقابل يرى مقرّبون من “حزب الله” أن ما يفعله الحزب مع “التيار الوطني الحر” استراتيجي بالدرجة الأولى وطبيعي بالدرجة الثانية، فهو يحاول إسقاط الرعب من العقوبات الاميركية التي تنتاب اللبنانيين وتسخيفها، عبر إبقائه زعيماً ورئيس كتلة نيابية وفاعلاً سياسياً بالقوة رغم هذه العقوبات، أما الأمر الثاني فهو أن تحالف الحزب مع التيار يؤمّن له أكثرية نيابية ولا يستطيع الحصول على هذه الأكثرية من دونه، أما الأمر الثالث فهو المحافظة على كتلة مسيحية وازنة الى جانبه.