
روزانا بومنصف – النهار
في المعركة الانتخابية التي يستعدّ لها الأفرقاء السياسيون يضخّم “#حزب الله”، كما شأن خصومه وحلفائه على حدّ سواء، حجر الشعارات التي يربطها بما يتهدّد سلاحه أو قوته أو حتى وجوده تحت عنوان أن الحزب باقٍ كما يقول فيما الواقع لا يشي بوجود ما يتهدّده لا أميركياً ولا حتى إسرائيلياً، ليس إلا لأن لبنان ليس على رادار أيّ من الدول البعيدة والقريبة ولا أحد في الداخل يهدّد بقاء الحزب. والمناوشات مع القوة الدولية العاملة في الجنوب بسبب كاميرا أو شاحنة تجول في القرى لا يعني أن هناك تهديداً للحزب. يحتاج الحزب الى هذه الشعارات من أجل حضّ بيئته على الاقتراع فيما هو يعاني على غرار كل الأحزاب والتيارات من اهتراء نتيجة الغضب الشعبي العارم فيما يعبّر في الوقت نفسه عن قلق لديه في هذا الخطاب الذي يعتمده والذي يثير اهتماماً ديبلوماسياً أكثر من الاهتمام الداخلي، ولا يثير قلقاً عن استحواذه على الأكثرية النيابية مجدّداً ذلك الذي تثيره شعارات خصومه. فحتى الآن وعلى مدى الأعوام الماضية ولا سيما خلال هذا العهد، كان الحزب ولا يزال الأقوى عسكرياً والأقوى سياسياً والذي تمظهر في التحوّل في السياسة الخارجية للبنان أكثر بعيداً من محيطه العربي. فالحزب أظهر حرصاً مثيراً للاهتمام أخيراً على معركة حلفائه المتهاوين سياسياً وشعبياً لإدراكه أنه يحتاج الى خلق شركاء يتولّون إدارة البلد بالنيابة عنه أو يتولون السلطة معه ولا يكون هو وحده في الواجهة. ولو لم يكن لديه شركاء راهناً يتولون ذلك لتعيّن عليه خلقهم لعجزه عن إدارة البلد على نحو مباشر أو صريح، فيما محطات عدّة في العامين الأخيرين أظهرت فشلاً كبيراً له في تولي الأمور حتى من ضمن بيئته ولكنها لم تأخذ مفاعيلها في ظلّ انشغال اللبنانيين بأمور أخرى. ولكن أبرز ما يظل عالياً في الأذهان هو فشل تجربة الإتيان بالمازوت الإيراني الى لبنان الذي أظهر كلفة فائقة لا تستطيع إيران تحمّلها كما أن الحزب فشل في الحلول محلّ الدولة في إنشاء آليّة مالية تحلّ محلّ مؤسّسات الدولة. وثمّة معطيات تفيد بمواجهة الحزب تحدّيات على مستوى بيئته التي لا يستطيع أن يوفر لها ما تحتاج إليه في ظل هذه الأزمة بما يبقيها بمعزل عمّا يواجهه اللبنانيون جميعاً. فالسلاح المتعاظم الذي بات لديه لم ينجح في حماية ودائع المواطنين ولا سيما المغتربين من بينهم الذين يمدّون الطائفة الشيعية بدعم خارجي مهمّ، وهؤلاء أيضاً يتعرّضون لظلم كبير نتيجة إقفال الأبواب العالمية أمامهم نتيجة ولائهم للحزب أو حتى مخاوف قربهم من الحزب.
ثمة مرحلة أخرى تتجلى في الانحسار القسري لدور الحزب عسكرياً في الخارج في ظلّ عدم حاجة الساحة السورية إليه لخوض المعارك، والحال نفسها في العراق أو حتى اليمن، ما يعني أن وظيفته الإقليمية، بقرار أو من دون قرار، هي الى تراجع وليس العكس، فيما الوضع في الجنوب منذ 2006 هو الأكثر هدوءاً وبعض الحوادث أحياناً لا يعني رغبة أو قدرة على الذهاب الى حرب مكلفة جداً للبنان مع إسرائيل.
هناك مرحلة لن تكون سهلة بالنسبة الى الحزب في استعادة أكثريته وفق ما يرجّح بعضهم في شكل أو في آخر ونتيجة اعتبارات متعدّدة، ولكن وطأة الازمة التي يواجهها لبنان لن يستطيع إدارتها من خلال مجلس للنواب سيكون مشرذماً وثمّة شكوك مقنعة بأن يتمكن حتى من تأمين أكثرية الثلثين من أجل توفير إجماع على انتخاب رئيس للجمهورية يسمّيه أو يسهم بتزكيته.
لا جدل في أن الأحزاب والتيارات السياسية ستعيد شرعنة وجودها وسيطرتها ولا سيما في ظل الإحباط الذي لم يعد مفاجئاً للمجتمع المدني والذي يُخشى أن يترجم نفسه في #الانتخابات النيابية نتيجة جملة عوامل. يضاف الى ذلك أن الحزب سيواجه مشكلة في تأليف حكومة على خلفية الوضع السنّي الذي أظهر أن أحداً لا يستطيع أن يحلّ محلّ الرئيس سعد الحريري، فيما الأحزاب والتنظيمات السنية تظهر اتجاهاً نحو الاعتدال أكثر وستكون محرجة أكثر إزاء دعمها الحزب والحصول على دعم الشارع السنّي في الوقت نفسه. وهو أمر سيعزز موقع الرئيس نجيب ميقاتي في المرحلة المقبلة للتفاوض من أجل أن يرأس الحكومة مجدّداً، وقد أثبتت تجربة رئيس حكومة موالٍ على غرار حسان دياب فشلاً ذريعاً لا يمكن تكراره. وعزوف ميقاتي عن المشاركة في الانتخابات النيابية يتركه حراً ومتمتعاً بموقع تفضيلي إزاء المرحلة المقبلة على هذا الصعيد.
وعلى افتراض تجديد الحزب أكثريته في المجلس النيابي الجديد، يُعتقد أن ثمة صعوبة جمّة في تأمين انتخاب رئيس للجمهورية لا ينتخبه عدد النواب في المجلس بل التوافقات خارجه مع جميع القوى السياسية بمن فيها تلك التي لن تكون ممثلة في المجلس النيابي، إذ إن الرئيس ميشال عون الذي يعتقد كثر أن هناك من يدبّج فتاوى لبقائه في قصر بعبدا إن لم يُنتخب رئيس جديد للجمهورية أو من أجل المساومة على انتخاب صهره للرئاسة، سيكون قادراً نظرياً على البقاء ولكن ليس عملانياً، إذ إن صعوبة تكرار تجربة 1989 تكمن في اختلاف الوضع الراهن عن الوضع آنذاك حين كان عون مسيطراً على قوّة نارية كبيرة عبر قيادته للجيش اللبناني فضلاً عن تمتّعه آنذاك بدعم شعبي هائل وكذلك بدعم مالي من قوى إقليمية، إضافة الى كونه رفع شعاراً لقضيّة كبيرة هي مواجهة الاحتلال السوري، ما سمح له بأن يحظى بدعم من غير المسيحيين كذلك على نحو غير مباشر. وتأمين انتخاب صهره شبه مستحيل ليس فقط بسبب من العقوبات الأميركية وفقاً لقانون ماغنتسكي بل لأن لبنان يحتاج الى رئيس من أهم وظائفه ومهمّته بناء توافق داخلي وبناء جسور مع العالم الخارجي، وهما مهمّتان عجز عنهما عون وأعطى صهره مؤشرات قويّة بعجزه عن القايم بدور مماثل بحسب تجربة الأعوام الستة الماضية على الأقل.