الإحتفاظ بحق الردّ! – رامي الرّيس – نداء الوطن

منذ عقود طويلة شهدت ولادة أجيال وغياب أجيال أخرى، لا تزال دمشق تحتفظ بحق الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وبطبيعة الحال يعود لها وحدها تحديد ساعة الصفر للقيام بالرد المدوي والمنتظر والذي من شأن حصوله، في غضون الأعوام المئة المقبلة، أن يقلب الموازين العسكرية والاستراتيجية في المنطقة وأن يمهّد لتحرير الجولان قبل التوجه نحو تحرير القدس وسائر الأراضي الفلسطينيّة المقدسة.

وبالحديث عن القدس، ثمة من يتساءل عن تلك التنظيمات العسكرية والأمنية المترامية النفوذ في أنحاء مختلفة من العالم العربي التي تحمل اسم القدس وترفع الرايات التي تصوّر المسجد الأقصى ورموز فلسطين الأخرى، من دون أن تقاربها جغرافياً أو عسكرياً. إنّها مجرّد شعارات للاستهلاك السياسي والشعبي لا تتماشى مع جوهر القضيّة الفلسطينية أو سائر القضايا العربية الأخرى.




من نافل القول ان الاحتلال الإسرائيلي كان ولا يزال وسيبقى منافياً للشرعية الدولية التي تكشّر كل يوم عن أنيابها البشعة في إزدواجية المعايير والمكاييل من دون أن يرفّ لها جفن في ما يخص مصادرة القرار الوطني الفلسطيني الحرّ، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، كما في وقف حركة الاستيطان وإقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. وهو الاحتلال ذاته الذي رفض المبادرة العربية للسلام التي أقرّت في بيروت سنة 2002 ولم يكترث لمبدأ الأرض مقابل السلام لأنه يريد الاحتفاظ بالأرض والحصول على السلام في الوقت ذاته.

هذا معروف وهو ليس غريباً عن إسرائيل التي كانت ولا تزال تُعتبر كياناً غاصباً للأرض العربية من دون مسوّغ قانوني أو شرعي أو حتى تاريخي كما يدّعون. ولكن، هذا لا يلغي أن الإستغلال التقليدي لقضية فلسطين بات ممجوجاً ومستهلكاً وغير ذي جدوى لا سيّما على ضوء السياسات المعتمدة من قبل محور الممانعة الذي يتغلغل إلى كل الساحات العربية ويسطو على قرارها السيادي وينحرف به نحو الاتجاهات التي تتلاءم مع مصالحه.

وإذا كانت الازدواجية الغربية التي تتمظهر من خلال إشاحة النظر عن فلسطين ومآسيها المتكررة منذ عقود؛ فإن الإزدواجية التي تُعتمد من قبل محور الممانعة لا تقل صلافة، فترى كيف أن عواصم المحور تخوض الحوارات المباشرة وغير المباشرة مع الغرب ومع عرب الاعتدال وتمنعها عن وكلائها وحلفائها.

في فيينا محادثات مع الغرب قوامها الأساسي العودة إلى الحظيرة الدولية بعدما أوقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مفاعيل الإتفاقية النووية التي عقدها سلفه باراك أوباما وأعلن إنسحاب واشنطن منها. وبطبيعة الحال، تواصل إيران بعث الرسائل إلى الأميركيين عن استعدادها لفتح قنوات حوار مباشر (وهذا هو المطلوب في عمق الأمر). وفي العراق، محادثات مع السعودية لتخفيف التوتر الإقليمي وفق ما يُعلن عنه.

ولكن، طهران لا تتوانى عن الايعاز إلى حلفائها في لبنان وغير لبنان لمهاجمة الولايات المتحدة والسعودية، كما لا تتردد في مواصلة دعم الحوثيين الذين يقصفون الإمارات العربية المتحدة التي يعود ويزورها وزير الخارجية الإيراني مستنكراً! أليس في ذلك إزدواجية في المعايير والمكاييل؟

المهم، كل هذه المنعطفات تبقى تفصيلية بانتظار الرد الذي يعد به النظام السوري إسرائيل منذ أكثر من أربعين عاماً. لا طلقة رصاص تعكّر صفو جبهة الجولان المحتلة (وبالمناسبة، هي ليست فقط محتلة إنما صدر قانون عن الكنسيت الإسرائيلي بضمّها وهو طبعاً قرار غير شرعي مثل كل قرارات إسرائيل).

لا بد لهذا الردّ أن يأتي يوماً ولو بالأحلام، أو بالتوقعات الفلكيّة التي يعكسها المنجّمون على الشاشات على مدار العام وليس فقط في ليلة رأس السنة. أبشروا!