
غسان الحجار – النهار
ليس واضحاً بعد ما إن كان الرئيس #فؤاد السنيورة انقلب على الرئيس #سعد الحريري، أو هو ينفذ رغبة دفينة للأخير، لا يملك القدرة على تنفيذها، إذا ما اعتبرنا أن كلام الرئيس #نبيه بري صحيح، ومفاده أن قرار اعتزال الحريري وعزوفه عن الانتخابات لم يكن وليد أفكاره، ولا يعبّر عن رغبته، وفق ما صرّح بري لجريدة “الأهرام”، قبل أن تتدخل يد الرقيب فتحذف الجواب من النسخة العربية، من دون التنبّه الى النشرة الإنكليزية التي حافظت على أمانة النص.
ما يهم في الأمر، هو حركة الرئيس السنيورة التي لاقت ترحيباً واسعاً في أوساط “تيار المستقبل” الذي أضاع البوصلة بعد قرار الحريري الانسحاب من الساحة السياسية، والسنّية تحديداً، وتركها مشرّعة. الأوساط الشعبية من مناصري “المستقبل” لاقت الخطوة بالترحيب، إذ إنها ترى الى السنيورة استمراراً للنهج، ولو من خارج رغبة الرئيس سعد الحريري. وهو رفيق الرئيس الشهيد، والرئيس الوريث، وهو الذي صمد في وجه قوى 8 آذار، عندما حاصرت تلك الأخيرة السرايا الحكومية، فاعتصم فيها. وأما تغريدة الأمين العام للتيار أحمد الحريري، فجاءت بمثابة رفع العتب، لأنه بالتأكيد يفضّل عدم الدخول في سجال مع السنيورة، رئيس الكتلة النيابية لـ”المستقبل” زمناً طويلاً، وممثل التيار الأزرق في الحكومات سابقاً، وفي السرايا لاحقاً.
لكن المهم في الأمر هو تداعيات قرار السنيورة على الساحة السياسية، فمناصرو “تيار المستقبل” وجدوا في الخطوة محاولة لملء الفراغ، وإعادة جمع الصفوف، وتنظيم عملية الترشيحات، وحض الناخبين على الاقتراع، و”ضبضبة” الساحة السنية من جديد، والأهم هو التصدي لـ”حزب الله” وتمدّد النفوذ الإيراني، ولو من دون راية “تيار المستقبل”.
ثانياً، تنعكس الخطوة على حليفين أساسيين سابقين لـ”المستقبل”، أي الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب “القوات اللبنانية”. الأول متروك، والثاني محاصر. وإن كان يمكن أن يتحالف الاشتراكي مع القوات في غير دائرة، فإن ذلك لا يعوّض باقي الحلفاء في الداخل، ولا الداعمين في الخارج. فالقوات اللبنانية تحتاج الى أصواتها التفضيلية للمحافظة على عديد كتلتها قبل الحديث عن توسيعها، وبالتالي فإنها غير قادرة على تجيير أصوات باستثناء دعم للوائح في مواجهة أخرى، وفي مناطق جد قليلة مشتركة ما بين الطرفين. فالاشتراكي خسر أصوات السنّة المستقبليين، ولا حليف له على الساحة حالياً سوى الرئيس نبيه بري الملجأ السياسي غير الانتخابي لتضاؤل المساحات المشتركة انتخابياً. ولا يجد الاشتراكي دعماً سعودياً أو عربياً توافر سابقاً، بعدما خسر منذ زمن بعيد الدعم السوري.
وليس حزب القوات في حال أفضل، إذ لا حليف حقيقياً له، سوى ما يروّج عن بعض المجتمع المدني من تحت الطاولة، وهذا الأخير لا قياس حقيقياً لقوّته الانتخابية. أما سياسياً، فيستمدّ القوات قوته من خطابه ومن تصدّيه لـ”حزب الله” أولاً، وللتيار الوطني الحر والعهد ثانياً. وهو خطاب جاذب، لكن نتائجه غير مضمونة في الصناديق. ولن يقبل كثيرون على الاقتراع للقوات في سنة انتخابات رئاسية إذ ستتركز الحملة على الدكتور سمير جعجع لإعاقة بلوغه قصر بعبدا، بدفع داخلي وإقليمي. وقد بدأت الحملة عليه منذ حادثة عين الرمّانة، وهي في تصاعد مستمرّ وستكبر كلما قرب موعد الاستحقاق.
في هذه المشهدية، أعلن الرئيس السنيورة أنه لن يخوض الانتخابات وحيداً، أي إنه سيمضي في تحالفات موضعية وفق الحاجة في كل منطقة، وتبعاً لحاجات الآخرين إليه، وهي كبيرة. لذا يمكن اعتبار قرار السنيورة بمثابة خشبة خلاص لأكثر من جهة مأزومة، ويمكن أن تعيد الحياة الى قوى 14 آذار ولو من دون التسمية المعلن