ليس مستغرباً، وسط “غرائب” الواقع اللبناني الراهن، أن تثير رحلة “مسيّرة حسان” في الداخل السياسي ما يفوق بأضعاف ما أثارته بين “#حزب الله” وإسرائيل. لا بل نكاد نتساءل أيّهما كان الهدف الأساسي الأكبر من رحلة هذه المسيّرة، تسجيل هدف يعتبره الحزب “إنجازاً استراتيجياً” في الصراع مع إسرائيل، أم تسجيل “إنجاز ساحق” في تثبيت الانهيار الناجز لكلّ ما يُسمّى دولة في لبنان؟
ما يستدعي هذا التساؤل أن معادلة السلم والحرب لم ولن تهتز حتماً بفعل تطوّر المبارزة بين المسيّرات والطلعات الحربية ولو ارتعب اللبنانيون كلما تكرّرت جولة من جولات هذه المبارزة المحدثة. فقرار الحرب لا يتراءى الآن على شاشة أقوياء دول الإقليم ولا العالم. لكن ذلك لن يحجب عن المشهد الداخلي اللبناني ما يستحيل حجبه لجهة تسارع انكشاف “الهلهلة” الأشدّ قسوة من أيّ تهاوٍ تدريجي في صورة وواقع هذا العهد والسلطة والحكومة كما المؤسّسات في أسرع ممّا يعتقد كثيرون. ليس الأمر متصلاً فقط بالانكشاف التقليدي لفقدان أيّ سيطرة حقيقية للدولة في كلّ ما يتعلق بقرارات السلم والحرب إلا في ما يسمح “حزب الله” بتركه هامشاً شكلياً للدولة حتى في ملفّ المفاوضات لترسيم الحدود. الأمر أبعد لجهة تفحّص تطوّر الانهيار السلطوي للدولة في الفصل الختامي من ولاية العهد الحالي الذي يكاد تهاويه المعنوي والسياسي يسبق الانتخابات النيابية بعد أقلّ من ثلاثة أشهر ولا يقوى تالياً على التستّر بأيّ أوراق تين حتى موعد الانتخابات الرئاسية.
بمسيّرة (درون) ومن دون مسيّرة، مهما كان الحجم الجدّي لا الدعائي لهذه الظاهرة في ميزان قوى عسكري استراتيجي، تبدو النتيجة مضمونة ومحسومة فقط في التردّدات الخلفية الداخلية اللبنانية، وهي تظهير انهيار السلطة التي بالكاد تلهو في ما بقي من العدّ العكسي للانتخابات بمعارك تصفية الحسابات غير المضمونة العواقب أيضاً لأن توقيتها الانتخابي يشكّل السبب الأول والأساسي لفشلها.
لا حاجة بأحد الى خوض نقاش عقيم لن يؤدّي الى أيّ نتيجة حول مسألة السلم والحرب وتمكين الدولة من جعل “حزب الله” يحسب لها حساباً قبل تغيير جذري حاسم لا تظهر أيّ معالم من معالم اقترابه بعد من الأفق اللبناني. لذا نتساءل: أيّ معايير ستختار القواعد الناخبة للقوى الحليفة للحزب وفي مقدّمها قواعد العهد الحالي في المعارك الانتخابية الجديدة؟ هل يكفي هذه القواعد أن تشمت بمصير قوى الخصوم التي انهار تحالفها قبل سنوات بفعل أخطاء فادحة كان أقواها وأقساها وأشدّها سوءاً انخراطها في تسوية انتخاب سيّد العهد الحالي، فيما هي تجدّد في صناديق الاقتراع لكونها ملحقة تماماً “بمحور الممانعة” الذي أمعن في استخدام “العهد القويّ” واجهة لكلّ قراراته وسياساته الى حدّ التسبّب بانهيار تاريخي غير مسبوق للبنان؟ أم ترانا “سنتفرّج” على فصل أشدّ توغّلاً في المهازل السياسية الانتخابية بحيث تمدّد التحالفات بين محور الممانعة الذي يقوده “حزب الله” وحلفائه من شتى الاتجاهات لواقع استتباعي قاتل نهائياً هذه المرّة لكلّ هامش استقلالي مزعوم لأيّ فريق حليف؟
إن أسوأ سياسات الإنكار وممارسات الإنكار في هذه المرحلة الطالعة المفتوحة على الحسابات الانتخابية تكمن في عدم الاعتراف بالتداعيات المدمّرة لتغطية العهد للسياسات المحورية لحليفه “الحديدي” الى درجة أننا تجاوزنا نهاية عهد قبل أوانه منذ زمن بعيد ولا من يعترف ولا من يحزنون!