
سابين عويس – النهار
فصل جديد من فصول ملاحقة حاكم المصرف المركزي #رياض سلامة من جانب النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون، تُرجم امس بمداهمات قام بها جهاز أمن الدولة لمقر عمل سلامة في المصرف المركزي والمقر إقامته، تنفيذاً لمذكرة الإحضار والتوقيف التي اصدرتها عون في حقه قبل فترة.
لم تنتظر عون نتائج الاستئناف الذي تقدم به سلامة، كما انها لم تقف عند أجوبته او طلب تنحيتها بسبب اتهامه لها بتسييس التحقيقات عبر تغريدات تعبر عن مواقفها. في المقابل، لم ينتظر سلامة القوى الأمنية ليسلم نفسه لها، ولم يتوقف عن ممارسة عمله، وان لم يُعلن عن مكان تواجده. ولكن الامر لن يتوقف وسيستمر رافعاً مستوى النزاع بين الحاكم ورئاسة الجمهورية الى سقف غير مسبوق في العلاقة بين رأس الدولة وأعلى سلطة نقدية فيها، وهما للمفارقة، ارفع مركزين للموارنة.
في القراءة القانونية، لا تسلك قضية سلامة مسارها السليم كما توضح مصادر قضائية، على خلفية ان عون لم تعترف بدعوى الرد التي تقدم بها سلامة امام محكمة الاسئناف، بل طالبت جهاز امن الدولة، وليس قوى الامن الداخلي احضار الحاكم وتوقيفه بهدف التحقيق معه كشاهد في المبدأ، في الدعوى المقامة أمامها من قبل مجموعة “الشعب يريد اصلاح النظام”، علماً ان المهمة الأمنية ليست من صلاحيات جهاز امن الدولة، وكادت هذه المسألة تؤدي امس الى مواجهة بين الأعضاء الذين قاموا بملاحقة سلامة وبين عناصر حمايته الذين ينتمون الى فرقة الفهود في قوى الامن. وهذا ما يقود الى القراءة السياسية في خلفية تحرك عون الذي تضعه مصادر سياسية في خانة النزاع القائم بين الحاكم ورئيس الجمهورية العالم على تنحية سلامة ولو في الأشهر الاخيرة من العهد لسببين تعهدهما المصادر كالتالي: الاول يأتي في سياق السباق الرئاسي واضعاف اي مرشح يمكن ان يشكل تهديداً او منافسة للنائب جبران باسيل، الذي يحرص رئيس البلاد على توفير افضل الحظوظ له.
اما السبب الثاني فيكمن ودائماً حسب المصادر السياسية، في رغبة العهد في تسمية حاكم يأتمنه على الحاكمية في حال تعذر حصول انتخابات رئاسية، ودخول البلاد في فراغ رئاسي، او تعذر وصول باسيل الى بعبدا، علماً انه في حال حصول فراغ رئاسي، وطال حتى انتهاء ولاية سلامة في ٢٠٢٣، فإن الحاكمية تنتقل الى نيابة الحاكم الاولى الشيعية.
الواضح اليوم من تحرك غادة عون استعجال بعبدا اقالة الحاكم بقطع النظر عن الاتهامات الموجهة اليه. على أبواب انتخابات نيابية يمكن توظيفها في حملة “مكافحة الفساد”، من دون الأخذ في الاعتبار إمكانية التفاهم على البديل، في ظل عدم وجود توافق سياسي على هذا الموضوع. فسلامة لا يزال يحظى بدعم سياسي محلي، وأميركي.
وبدا لافتاً البيان الصادر عن تيار “المستقبل” أمس، وهو الاول من نوعه بعد تعليق العمل السياسي للتيار،. وكان واضحا ان الهدف منه استهداف رئاسة الجمهورية اكثر من الدفاع عن رياض سلامة. اذ حمل البيان رئيس الجمهورية مسؤولية تحريك غادة عون، ومطالبته شخصياً لها تنفيذ قرار التوقيف.
هل من تداعيات لمسرحية الملاحقة التي شهدها المصرف المركزي امس على المشهد النقدي والاقتصادي؟
طبعاً، تجيب مصادر اقتصادية متابعة، انطلاقاً من التشكيك الحاصل في منصب الحاكم بقطع النظر عمن يشغله، خصوصاً وان الملاحقات تتم من دون وجود ادلة دامغة حول تورط سلامة، فيما رئيس الجهاز الذي يقوم بالمداهمة مطلوب بنفسه الى التحقيق لدى المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ، ويمتنع عن الحضور!
يحاول سلامة الامساك بسوق القطع الآن وضبطها رغم الكلفة الباهظة التي تترتب عن ذلك، في رسالة واضحة مفادها ان “الامر لي”، علماً ان السوق ستخرج عن السيطرة بعد نفاذ بضعة مئات الدولارات المتوافرة اليوم لديه، ويقال انها تشكل ارباح شركة طيران الشرق الاوسط على مدى عامين، ما لم يتم اللجوء مجدداً الى الاحتياطات الالزامية الموجودة لدى المركزي.
ولكن هل هذا هو المسار القانوني السليم لإدانة سلامة؟ تجيب المصادر ان بعبدا اختارت الطريق الاسهل بعدما تبين لها ان مسار التدقيق الحنائي دونه عقبات.
والواقع ان ثمة خيارات اسلم من الخيار القضائي المنقوص حتى الآن، يمكن ان تؤدي دورها في كشف حقيقة ما يُهم به سلامة، ادانة او تبرئة، من دون ان يكون ذلك على حساب تهميش الموقع الاول في السلطة النقدية التي منحها قانون النقد والتسليف إستقلالية بهدف ابعادها عن التسييس
الخيار الاول يكمن في طرح مسألة الحاكم بكل ابعادها وحيثياتها على طاولة مجلس الوزراء، المكان الاصلح لبت اي نزاع تماماً كما هو المكان الأوحد للتوافق على اي بديل.
اما الخيار الثاني والاهم، هو افساح المجال امام التدقيق الجنائي ليأخذ مجراه، فتعلن شركة “الفاريز اند مارسال” المكلفة من الدولة اللبنانية اجراء التدقيق، نتاؤج عملهاوتبين الارتكابات حيث وُجدت. لكن السؤال الذي يثير الريبة لماذا لا تنجز الشركة عملها، واذا كانت حجتها عدم حصولها على المعلومات والمستندات الكافية، لماذا لا تخرج الى الرأي العام اللبناني كما الى السلطات الرسمية بموقف واضح وشفاف تكشف فيه الوقائع، بما يتيح اجراء المقتضى في حق المعرقلين.
اما ان يبقى هذا الملف اسير الصراع السياسي، فلا بد للمراهنين عليه ان يدركوا تداعياته اذا فقدوا السيطرة عليه، او اذا أدى إسقاط سلامة الى تدحرج كرة الثلج على رؤؤس الجميع.