ساعدوا ميقاتي كي ينجح و… لا تبالغوا في مدحه

سركيس نعوم – النهار

ل#نجيب ميقاتي مقدّرون في #لبنان ولا سيما في مسقطه طرابلس، كما له أصدقاء يراهنون عليه في موقع رئاسة الحكومة الذي يشغله منذ بضعة أشهر وفي أصعب مرحلة تمرّ بها البلاد في تاريخها. ينتمي بعض هؤلاء الى نخب اقتصادية ومالية ومصرفية، يتابعون حركته عن كثب، ويشجّعونه على الاستمرار ولا سيما في ظلّ التأييد الدولي الذي يبدو أنه يحظى به من أميركا وأوروبا ولا سيما فرنسا كما من دول عربية يريد قادتها أن ينجح، لا محبّةً فيه أو تقديراً لكفاءات عنده فقط بل لأن “شعوب” لبنان لم تعد تستطيع تحمّل فشل الدولة وكل مؤسساتها ووصول معظم أبنائها الى ما تحت خط الفقر ووقوف الوطن على كفّ عفريت أو بالأحرى على كفوف عفاريت القوى العظمى في الإقليم والعالم.




هؤلاء المقدّرون والأصدقاء يرون في ميقاتي رجل دولة سنّياً بدأ يقوى في طائفته رغم استمرار تعلّق قسم كبير منها بالشهيد رفيق الحريري عرّاب اتفاق الطائف وباني ما سُمح له ببنائه في لبنان وإن بعد “دفع المعلوم” كما يُقال في العامّية. ويقولون إنه أنجز موازنة خلال ثمانية اجتماعات لمجلس الوزراء برئاسته في السرايا الحكومية، ثم وفّر ظروف إقرارها رسمياً في جلسة للمجلس نفسه ولكن في قصر بعبدا ترأسها سيّده الرئيس ميشال عون. ويقولون أيضاً إن صندوق النقد الدولي اعتبر في تعليق لأحد مسؤوليه أن ميقاتي حقّق تقدّماً يقوّي رصيد حكومته ولبنان ويحتاج إليه هو (أي الصندوق) كي يحقّق تقدّماً في التفاوض مع لبنان من أجل مساعدته على “فك ضيقته” الاقتصادية. ويقولون ثالثاً إن الصندوق ومؤسسات دولية أخرى لم تعد تقبل أن تأخذ الحكومة أي حكومة مبالغ مهمة من دولارات مصرف لبنان التي ليست له بل للمودعين في المصارف وتقدّمها لكهرباء لبنان على النحو الذي كان يجري منذ سنوات طويلة، وتصرفها على كل شيء ما عدا إنتاج الكهرباء وإيصالها الى المواطنين. ولم يعودوا يقبلون أيضاً استعمال أموال مصرف لبنان التي طارت من المصارف أو في طريقها الى الطيران في رشوة العاملين في القطاع العام رغم عقمه وقلّة إنتاجه وتضخّمه بمنتفعين وعديمي كفاءة للإبقاء على ولائهم للمنظومة السياسية المهترئة ولمساعدتها في مسيرتها الفاسدة والمفسدة. ويقول رابعاً مقدّرو ميقاتي وأصدقاؤه إن طلائع الإنجاز في عمله ستبدأ بالظهور قريباً بعد إقرار الموازنة في مجلس النواب وبدء العمل الفعلي من أجل تنفيذها ولا سيما على صعيد الكهرباء المفقودة. ويؤكدون أنه سيجد حلاً لمشكلات عدم الجباية فيها ولمشكلة التعليق على كهرباء الدولة ولمشكلة رفض الناس والجهات السياسية التي ينتمون إليها رفع سعر الكيلوواط وهو زهيد للغاية، علماً بأنهم يدفعون ثلاث مرات أكثر منه في مقابل كل كيلوواط يصرفونه لأصحاب المولدات.

انطلاقاً من ذلك زاد ما قاله ميقاتي بعد جلسة إقرار الموازنة في مجلس الوزراء “بدكن تتعودوا ما في ماء وكهرباء ببلاش، بدنا نتحمّل بعضنا” زاد من صدقية الحكومة عند صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين اعتبر مسؤولون فيهما أنه مثل “جرّاح” يعدّ لـ”استئصال ورم” وربما “أورام” ستقضي على لبنان إذا تُركت مكانها. عدم حصول هذا الأمر كلّف لبنان نحو 20 مليار دولار دعماً من أموال المودعين المحجوزة في مصرف لبنان والمصارف الخاصة أو بالأحرى “الهالكة”. وقد تلقى ميقاتي تهنئة من بروكسل يعتبر مقدّموها أنه لن يعتمد سياسة “ما بدي زعّل حدا” وأنه سيبادر أكثر كلما ازدادت قوته داخل طائفته وفي المجتمع الدولي.

هل هذا المديح للرئيس ميقاتي من أصدقاء له ومقدّرين في محله أم ينطوي على مبالغة شديدة الهدف منها إرضاؤه؟ المتابعون الجدّيون للوضع العام في البلاد ولرئيس الحكومة وأعضائها لا ينكرون أن مؤسّس “تيار العزم” الطرابلسي قد يكون سائراً على طريق تحقيق إنجازات. لكنهم يرون أن الاكتفاء بالمديح المَكيل له أعلاه يقترب من المحاباة ويفتقر الى بعض الدقة والصدقية والموضوعية. قوّته الصاعدة داخل طائفته السنّية لا تعني أنه صار المقرّر الأوحد أو الأقوى فيها. المثل الحيّ على ذلك التحرّك الشعبي السنّي المؤيّد للرئيس سعد الحريري منذ إعلانه تعليق عمله السياسي مع تياره وعائلته ولا سيما قبل يومين في ساحة الشهداء في الذكرى السنوية السابعة عشرة لاستشهاد والده. طبعاً يستطيع ميقاتي أن يحظى برضى “الحريرية” والمنتمين إليها إذا أثبت في حكومته الثالثة أنه سيأخذ مواقفها بل مواقف السنّة في الاعتبار في عمليه الحكومي والسياسي. علماً بأن على مقدّري ميقاتي وأصدقائه أن يتذكروا أن السنّة في غالبيتهم واللبنانيين لن ينسوا مشاركته في انقلاب “حزب الله” وغيره على الحريري ابن الشهيد عام 2011 إذ أسقطوا حكومته وهو في مكتب رئيس أميركا باراك أوباما. لكنهم لن يحكموا عليه لأن ممارسته اللاحقة لتلك المرحلة حاول فيها أن ينأى بنفسه عن مدبّري انقلاب 2011 وإن من دون أن يقطع الخيوط معهم.

أما الكلام عن أن ميقاتي سيفعل العجائب في حكومته فليس في محله، إذ لا عجائب في لبنان من دون “الثنائية الشيعية”. وهي أظهرت له جدّية قيادتها للحكومة بل للوضع في البلاد عموماً بتعطيلها الحكومة شهرين أو أكثر. وأظهرتها أيضاً بموقفها في جلسة “إقرار الموازنة” الأسبوع الماضي في قصر بعبدا وبرئاسة عون إذ خرج وزراؤها مستائين من أداء المجلس ومنكرين أن تكون الموازنة أُقرّت بالتصويت في الجلسة، وبانتقاد تعاون ميقاتي وعون في تمرير تعيينات لم يُؤخذ رأي الثنائية فيها. كذلك انتقد “حزب الله” بدوره، على شاشات التلفزة، ما حصل، لكنها أي الثنائية لم تعد الى تعطيل الحكومة ومجالس الوزراء معتمدة على غالبيتها في مجلس النواب لـ”الانتقام” أو للتصحيح في أثناء درس الموازنة المحالة إليه. وقد يكون السبب هو الحرص على تلافي أيّ مطبّ.

في النهاية، التأييد الدولي لحكومة لبنان مهم. لكن الأكثر أهمية أمران، الأول تأييد دول الخليج العربية لها وفي مقدمها السعودية، وهو لا يبدو متوافراً حتى الآن على الأقل. الثاني تأييد إيران الإسلامية لميقاتي وهو غير متوافر إلا من خلال تأييدها حكومته التي عرّابها “حزب الله”. وقد يتوافر إذا سلك طريقها وأسّس علاقات جدّية معها، وذلك عصيّ عليه لِأسباب معروفة. في هذا المجال قد يكون “أصدق” ما قاله ميقاتي بعد جلسة الموازنة في قصر بعبدا هو “بدنا نحمل بعضنا وما عاد في شي ببلاش” أو شيء بهذا المعنى، رغم الانتقادات التي وُجّهت إليه من جهات مسحوقة ومن جهات متضرّرة منه. فاللبنانيون اعتادوا الفوضى بحماية منظوماتهم السياسية الطائفية والمذهبية واعتادوا “القوطبة” على القوانين ومدّ اليد الى المال العام و”البلاش” واعتبار سرقة الدولة حلالاً. وما لم يتخلوا عن هذه العادة فإنهم سيبقون أدوات لزعاماتهم وسيخسرون دولتهم ولن يتمكنوا من بناء دولة المواطن القوية والعادية والديموقراطية، وسيبقون دولة الحصص والطوائف والمذاهب والهيئات الاقتصادية المسكونة بهاجس الربح وحده.