الخطف في جنوب سوريا.. عائلة فواز “تنتظر اتصالا” و”لا خبر عن سلام”

على مدى الأيام الماضية تحوّلت حادثة اختطاف الطفل السوري، فواز قطيفان، إلى قضية رأي عام، وفي الوقت الذي تنتظر فيه عائلته اتصالا هاتفيا من الخاطفين، فقدت عائلة الطفلة، سلام الخلف، “أي أمل” عن مصيرها، بعدما اختطفت من أمام مدرستها في منطقة بلدة الطيبة بريف محافظة درعا، قبل أكثر من عام.

وتثير هذه الحوادث مخاوف سكان الجنوب السوري، وخاصة محافظة درعا، التي تعيش على وقع حالة متصاعدة من الفلتان الأمني، على الرغم من بسط النظام السوري سيطرته عليها، بموجب اتفاقيات “تسوية” بلغ عددها إلى الآن أربعة.




وتشابه حالة خطف الطفل قطيفان ما تعرضت له قبل، سلام، قبل سنوات، وبحسب ما يقول ناشط حقوقي من محافظة درعا لموقع “الحرة” فإن عائلة الأول جمعت المبلغ الذي طلبه الخاطفون، وتترقب في الوقت الحالي اتصالا من الخاطفين من أجل تنسيق عملية التسليم.

أما سلام، فيوضح الناشط، عمر الحريري، أن مصيرها لا يزال مجهولا، وهي التي اختطفت بملابس المدرسة من أمام مدرستها في منطقة الطيبة.

ويقول الحريري: “قبل عام تقريبا عثر سكان على حقيبتها ومريولتها المدرسية في إحدى المزارع القريبة من البلدة، بينما لم ترد أي معلومات عما إذا كانت على قيد الحياة”.

ولا تقتصر ظاهرة الاختطاف في جنوب سوريا على الأطفال دون غيرهم، وبينما استهدفت خلال السنوات الماضية الشبان والبالغين وكبار السن، اختلفت نهاية كل حادثة عن الأخرى.

وقلما تصدر مواقف رسمية واضحة من جانب النظام السوري بشأن ما تعيشه درعا من فلتان أمني، لكن مسؤولين فيها كانوا قد اتجهوا في الأيام الماضية لتناول قضية الطفل فواز، والذي انتشرت قصته على نطاق واسع في سوريا والبلدان العربية.

“قضية حساسة”

وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الثلاثاء، أن التواصل بين عائلة الطفل فواز والعصابة الخاطفة “مقطوع بشكل كامل”، مما يرجح تخوف الأخيرة من أن تكون الاتصالات مراقبة، بعد تدخل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري بالقضية.

وكانت العائلة قد أكدت، قبل أيام، بأنها تمكنت من جمع المبلغ المطلوب، ومقداره 400 مليون ليرة سورية لافتداء الطفل فواز المختطف منذ أكثر من 3 أشهر.

وأوضح مصدر مقرب من العائلة لموقع “الحرة”، لكنه تحفظ عن ذكر اسمه، أن التواصل بين العائلة والخاطفين يجري عبر تطبيق المراسلة “تلغرام”، مشيرا إلى أن “العصابة تتحدث من خلال حساب وهمي”.

ونفى المصدر المعلومات التي تواردت عن طلب العصابة تسليم الأموال المطلوبة في منطقة بالجنوب اللبناني، مؤكدا أنه “لا توجد أي طريقة تواصل حتى الآن، رغم إعلان العائلة جمع المبلغ المقدر بملايين الليرات السورية”.

واعتبر قائد شرطة درعا التابع للنظام السوري، ضرار الدندل، في تصريح له لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، الإثنين، أن قضية اختطاف فواز “حساسة”، وأن أي خطأ سيكون كارثيا.

وقال الدندل: “نسير في كافة الإجراءات البحثية والتقنية لكن بكل سرية، سلامة على المخطوف والتحقيقات. حاليا أنا متفائل بحكم عملي أننا سنصل قريبا جدا إلى نتائج إيجابية، بخصوص الطفل فواز”.

ولم يتطرق قائد الشرطة إلى هوية الخاطفين، فيما أشار إلى أن ما حصل يرتبط بـ “مخلفات” الأزمة السورية القائمة منذ عشر سنوات، متحدثا عن “ضعاف نفوس ويستخدمون من قبل أعداء البلد”.

لكن في المقابل يرى منير الحريري، وهو ضابط منشق عن “فرع الأمن السياسي”، أن العصابة الخاطفة “ترتبط بشبكات ميليشياوية على ارتباط بالنظام السوري وأفرعه الأمنية والعناصر التابعين لإيران هناك”.

ويقول الحريري لموقع “الحرة”: “موضوع الاختطاف لم يهدأ في المحافظة منذ إجراء التسويات. الروسي ترك الأمور بعدها للنظام السوري وأفرعه الأمنية وميليشيات حزب الله وإيران”.

“71 حادثة منذ 2018”

ومنذ أواخر العام الماضي تحوّلت السيطرة كليا في محافظة درعا إلى قوات النظام السوري، لكن ذلك لم يكن كفيلا في إيقاف حوادث الفلتان الأمني، التي تتصدرها من جهة عمليات الاغتيال والتفجيرات، ومن جهة أخرى حوادث الاختطاف.

وغالبا ما تكون عمليات الاختطاف في المنطقة بغرض الحصول على “فدية مالية”، وهو ما حصل مؤخرا بخصوص قضايا أطفال وشبان.

ويقول الناشط الحقوقي، الحريري، إنهم وثقوا في “مكتب توثيق الشهداء في درعا” 71 عملية اختطاف، من بينها عشر قضايا كان ضحيتها أطفال وقاصرون.

ويوضح الحريري: “بالنسبة للأطفال خرجوا جميعهم باستثناء الحادثة الحالية وحادثة الطفلة سلام الخلف، المختطفة منذ شهر مارس 2020، وما زال مصيرها مجهولا”.

ويشير الناشط الحقوقي إلى أن “نهاية عمليات الاختطاف” كانت مختلفة.

وبالنسبة للبالغين كانت هذه النهاية إما بدفع الفدية، أو إجراء عمليات تبادل بعد خطف شخص آخر مقابله، فضلا عن أخرى تتمثل بـ”إطلاق السراح بعد تدخل جهات أخرى للضغط”.

ولا يرى الحريري الحوادث بأنها جديدة على مشهد الجنوب السوري، بل هي تعود إلى عام 2011، مضيفا “وثقنا أكثر من 740 حالة في السنوات السابقة، وكانت تتم في معظمها بين محافظتي درعا والسويداء”.

كما أكد الناشط الحقوقي أن المعلومات المتاحة حتى الآن تنفي الحديث المتعلق بطلب الخاطفين تسليمه في الجنوب اللبناني.

ويتابع: “أتوقع أن القصة ستأخذ قليلا من الوقت، لأن العصابة بات لها حسابات بعد الضجة الإعلامية، وتحاول إجراء التبادل دون أن تنكشف هويتها”.

هل من عمل منظّم؟

في غضون ذلك كانت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قد نشرت تقريرا، في أكتوبر 2020، تناولت فيه عمليات الخطف التي تشهدها مناطق الجنوب السوري.

وقالت المنظمة الحقوقية إنها سجّلت ما لا يقلّ عن 31 عملية ومحاولة خطف بحقّ أطفال منذ يناير حتى أغسطس 2020، بعضها وقع بالقرب من حواجز تابعة للأجهزة الأمنية السورية.

وأضافت أن محافظة درعا شهدت منذ بداية عام 2020، تحديدا، تزايدا حادا في حوادث عمليات الخطف، بشكل عام، وعمليات خطف الأطفال بشكل خاص، خلال اللعب في الشارع، أو أثناء ذهابهم للمدرسة أو السوق.

وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن عددا من حوادث الخطف تلك وقعت في أماكن لا تبعد مسافات كبيرة عن حواجز عسكرية تابعة للأجهزة الأمنية السورية في المحافظة، ما يفتح الباب أمام عدّة فرضيات، منها تورط عناصر الحواجز بهذه العمليات أو عملية تواطؤ متعمّدة.

ويعتبر الناشط الحقوقي، الحريري، الحوادث بأنها “فردية أكثر من منظمة”، بينما يخالفه في ذلك حديث الضابط الأمني السابق في النظام السوري، منير الحريري ذلك.

ويقول الضابط السابق إن “عمليات الخطف منظمة من خلال عصابات تديرها ميليشيات النظام وإيران. هذا ما رأيناه أكثر من مرة، وهناك عصابات متخصصة في هذا الشيء، إما للقتل أو الخطف من أجل الابتزاز المالي”.

ويوضح الحريري أن قضية الطفل فواز تشوبها “عملية مربكة ومعقدة”، وذلك يرتبط بتاريخ اختطافه والتاريخ الذي أعلن فيه الخاطفون عن الفدية المالية، مشيرا إلى أن “الأمور لم تصل إلى طريق مفتوح. هي بين أخذ ورد”.