
غسان الحجار – النهار
عن رأيه في بعض السياسيين ال#لبنانيين، يقول الوزير السابق وسفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان سابقا عبد العزيز خوجة في مذكراته، إن #جان عبيد “من مثقفي لبنان البارزين ورجل دولة محنك، مرشح دائم للرئاسة، لبناني قبل أن يكون عربياً، وعربي قبل أن يكون مسيحياً، وأقول بلا تردد إنه لو أصبح جان عبيد رئيساً لكان ذلك من حسن حظ لبنان”.
إثر وفاته قبل سنة (8 شباط 2021) كتبت الاقلام مشيدة بمزايا الرجل “صديق الجميع”. لكن فكرة صديق الجميع اثارت بخجل اقلام البعض الآخر، واصفة هذا الصديق بانه من فرط صداقته للجميع، يصبح بلا موقف، وغير جدير بالمواجهات في ساعة الشدة. وهو انطباع ساد لديّ في بداية معرفتي به، وكان آنذاك وزيرا للتربية، وكنت مسؤولا عن قسم التربية والشباب في “النهار”، واصدرتُ حكمي عليه. لكن العلاقة التي توطدت لاحقاً، جعلتني أقدّر فيه هذه “الوسطية”، وهو المدرك ان “القوة” المجرّبة في لبنان لا تفيد، ونحن نشاهد فصولا من الرئيس القوي، وان “القوة الفاعلة” هي قوة الحكمة واللّين والحوار في بلد معقّد التركيبة وواقع على خط زلازل الاقليم والعالم، ولا يُحكم إلا بالتسويات، ولو قاتلة احياناً.
لكن الحقيقة التي يعرفها كثيرون ولا يعرفها آخرون، والمدوّنة في كتب مذكرات سياسية عدة، تظهر ان الرجل الليّن، شديدٌ عند الضرورة، وثمة مواقف له تؤكد هذا الامر، ومنها لمّا رفض طلب الرئيس رفيق الحريري، وبغطاء سوري، ابدال اسم “مدينة كميل شمعون الرياضية”. والموقف الابرز هو رفضه “اجتياح” الجيش السوري قصر بعبدا ووزارة الدفاع لانهاء “ظاهرة تمرد العماد ميشال عون”، كما كان السوريون يسمّونها. وبرفضه هذا، سقط في الامتحان السوري لتبوؤ رئاسة الجمهورية، اذ في يوم اغتيال رينه معوض، 22 تشرين الثاني 1989، احضر رفيق الحريري في طائرته الخاصة جان عبيد من باريس الى دمشق، يرافقهما الفضل شلق وسمير فرنجيه. وهناك عقد اجتماع مع عبدالحليم خدام وحكمت الشهابي.
سأله الاول ماذا سيفعل بميشال عون؟ ردّ: كما اعطيتم زعماء الميليشيات فرصة للدخول الى السلطة، وبينهم مقاتلون وقتلة، يقتضي اعطاؤه هو ايضاً فرصة.
وسأله خدام: أليس هو الذي يريد تكسير رأس سيادة الرئيس ودقّ مسمار في نعش النظام؟ ردّ: كان كلام معارك وليس كلام اقتدار. ما أُعطي اولئك لا يصحّ حجبه عن قائد الجيش ورئيس الحكومة الدستورية.
قال: واذا رفض؟ ردّ جان عبيد: نوجّه اليه انذاراً باخلاء قصر بعبدا. الجيش اللبناني هو الذي يوجّهه اليه.
قال خدام: يعني انك لا تريد للجيش السوري ان يتدخّل. ولا تريد له ان يدخل قصر بعبدا. ردّ: اجتاحت اسرائيل لبنان ووصلت الى بعبدا ولم تدخل القصر الجمهوري، مقر كرامة الشرعية. هل يجوز ان تكون سوريا اقل حرصاً على هذه الكرامة؟
طال الاجتماع في مقر الرئاسة السورية من العاشرة الا ربعاً ليلاً حتى الثالثة الا ربعاً فجر 23 تشرين الثاني، وانضم اليه الرئيس الأسد لاحقاً، يستمع الى الحوار الدائر بين الرجلين.
بخروجه من الاجتماع لحق رفيق الحريري بجان عبيد وهو يصرخ بعدما اخطره عبدالحليم خدام بفشل الاتفاق: لماذا فعلت ذلك؟
قال: عندما يريدون رئيساً ليس له ان يبدي ملاحظات على مشروع يُحضّر له، هذا يعني انهم لا يريدونه. طلبتُ حفظ ماء الوجه للجميع.
ردّ رفيق الحريري: أخطأتَ. فكرّر: ليست ساعتي.