تحت عنوان “لقاء المعارضة في الجزيرة العربية”، نظم “حزب الله” اللبناني، الأربعاء، فعالية لمعارضين سعوديين في معقله بضاحية بيروت الجنوبية، لإحياء ذكرى إعدام رجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر، وذلك بعدما شهد لبنان في الفترة الماضية أكبر أزمة دبلوماسية مع دول الخليج.
وفي خطاب ألقاه خلال المؤتمر، دعا رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله”، هاشم صفي الدين، إلى توقف السعودية “عن التنمر وأن تكف أذاها ويدها” عن لبنان ووقف التدخلات في شؤونه، بحسب ما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”.
ونقلت الوكالة عن المعارض السعودي المقيم في بيروت، علي هاشم، لدى سؤاله حول هدف المشاركين في هذا المؤتمر قوله: “إسقاط النظام السعودي”.
وحضر المؤتمر شخصيات معارضة سعودية، وأعضاء من جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، وكان الهدف المفترض من التجمع هو إحياء ذكرى النمر، الذي أعدمته السعودية في كانون الثاني 2016 ضمن عملية إعدام جماعية شملت 46 شخصا آخر ممن اتهمتهم في قضايا تتعلق بالإرهاب، بحسب الوكالة.
فما الذي أراده حزب الله من هذا المؤتمر، لاسيما في ظل موقف لبناني رسمي يرفض المواقف المعادية للمملكة؟
يجيب المحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة، في حديث لموقع “الحرة”، قائلا: “نحن نشهد على فصل جديد من فصول تدمير علاقات لبنان مع السعودية وباقي دول الخليج، وتأكيد آخر على أن لبنان في حضن إيران”.
من جهته، يجد المحلل السياسي والاستراتيجي السعودي، محمد الحربي، في هذا المؤتمر، “خطوة أخرى تثبت أن حزب الله يتغاضى عن الحقيقة والواقع اللبناني الصعب، لأنه قوة ظلامية تسيطر على منطق الدولة ومفاصلها، حيث لا قدرة للحكومة على تغيير شيء”.
وفور شيوع خبر تنظيم المؤتمر، علق وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي، قائلا: “التعاطي يجب أن يكون وفق الدستور اللبناني الذي يمنع تعكير علاقات لبنان بالدول العربية الشقيقة، وسنعمل على تطبيق القانون اللبناني”.
وشدد الحربي، في حديث لموقع “الحرة”، على أن “المليشيا اللبنانية لا تعنيها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث لا دواء ولا مياه ولا حتى غذاء”.
ويعيش لبنان أسوأ أزمة مالية في تاريخه، حيث عمّقت كارثة انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف 2019.
وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وسجلت الليرة اللبنانية في الأيام الأخيرة أكثر من 30 ألف مقابل الدولار الواحد، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة، وفُقد الكثير منها كحال المحروقات أيضا.
بينما يبرر الصحفي اللبناني ابراهيم بيرم، في حديث لموقع “الحرة”، انعقاد مثل هذا النوع من المؤتمرات في بيروت بأن “لبنان بلد لجميع الناس، ويضم آراء مختلفة موالية ومعارضة للسعودية”.
وأضاف بيرم: “منذ القدم، ونرى لبنان دولة للتعايش والتساكن مع جهات داخلية وخارجية متضادة”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يكون هناك فريق يشتم إيران بشكل يومي في البلاد، ولا يسمح لمن يعارض السعودية بالتعبير عن رأيه”.
وحذر بيرم من أن أي محاولة لقمع مثل هذا النوع من المؤتمرات هي “محاولة لطمس هوية لبنان”، مستذكرا ما “حصل بعد مؤتمر المعارضة البحرينية”.
وفي ديسمبر الماضي، عقدت “جمعية الوفاق الوطني” البحرينية المعارضة، مؤتمرا صحفيا في العاصمة اللبنانية اتهمت، النظام في المملكة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وعلى الفور، أعلنت الحكومة اللبنانية، حينها عن إدانتها ورفضها لما وصف بأنه “تطاول على مملكة البحرين”، بعد أن أصدرت وزارة خارجية البحرين بيانا أعربت فيه عن “أسفها من استضافة العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمرًا صحفيا لعناصر معادية”.
كما وجه المولوي، كتابا إلى المديرية العامة للأمن العام طالبا بـ”اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين إلى خارج البلاد”.
ولكن ماذا يريد حزب الله من المؤتمر في هذا الوقت؟ يجيب بشارة أن “حزب الله يريد إيصال رسالة إيرانية على هامش مفاوضات فيينا، مفادها أن لبنان وغيره أوراق ضغط بيد طهران”.
وتخوض إيران مباحثات في فيينا تهدف الى إحياء الاتفاق المبرم العام 2015 بشأن برنامجها النووي، وذلك مع الأطراف الذين لا يزالون منضوين فيه (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا). وتشارك الولايات المتحدة التي انسحبت أحاديا من الاتفاق العام 2018، بشكل غير مباشر في المباحثات.
وأجريت ست جولات من المباحثات بين أبريل ويونيو في العاصمة النمساوية فيينا، قبل أن تعلق لنحو خمسة أشهر، ثم يعاد استئناف الجولة السابعة يوم 29 نوفمبر الماضي.
وشدد بشارة على أن “الحزب يثبت دائما بأن الشأن اللبناني لا يعنيه، وتنظيم مؤتمر معارض للسعودية خير دليل على ذلك، فكل ما يريده هو تحقيق مشروعه الخاص”.
ويوافق الحربي على أن “كل ما حصل من أجل مصلحة إيران، حيث يسعى الحزب لجعل بيروت حديقة خلفية لطهران”، منددا بما وصفه “بالقوة الانتهازية التي تتخذ من الشعب اللبنانية رهينة لإيصال الرسائل السياسية”.
وحول ما إذا كانت السعودية قد تتخذ موقفا من جراء تنظيم المؤتمر، يشدد الحربي على أن “المملكة تأخذ الملف اللبناني بمفهوم استراتيجي بعيد مستدام وليس وقتي مرحلي”.
وأضاف الحربي: “لبنان عانى كثيرا في محطات تاريخية عدة، وحزب الله يتحكم بمفاصل الدولة ولا يوجد حكومة فعلية تدير زمام الأمور”.
وأشار إلى “موقف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بعد لقائه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في الرياض، الذي أكد أن “القيادة تنظر إلى الشعب اللبنانية بكل أطيافه بعيدا عن الأحزاب الإيديولوجية”، بحسب الحربي.
وفي 4 ديسمبر الماضي، التقى ماكرون في جدة ولي العهد السعودية، ضمن إطار جولة خليجية قام بها، وذلك لمناقشة مسألة ضمان “الاستقرار” في الخليج وكذلك البحث الوضع في لبنان.
وكان السفير السعودي في لبنان وليد بخاري هاجم حزب الله، الأربعاء، ووصف خياراته السياسية بـ”الفاشلة”.
وأضاف بخاري في تغريدة إن “القفز على آلام وآمال الشعب اللبناني الشقيق، ما هو إلا تغاض عن الحقيقة الساطعة أمام أعين اللبنانيين أنفسهم وإنكار مقصود لحقيقة سببها لوثة استعلاء حزب الله الإرهابي على منطق الدولة وفشل خياراته السياسية”.
في المقابل، يقر بيرم بأن “لدى حزب الله نية بإيصال رسالة ذات بعدين، الأولى للحكومة اللبنانية، والثانية للسعودية”.
وأوضح بيرم أن “حزب الله يعتبر أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تجاوز حدوده بشكل غير مسبوق، بداية في فرضه استقالة جورج قرداحي (وزير الإعلام اللبناني السابق)، والثاني في تعليقه على كلام الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، الأخير”.
وكان ميقاتي قد دفع نحو استقالة قرداحي التي حصلت في مطلع ديسمبر الماضي، بعدما تسببت تصريحات قال فيها الحرب في اليمن “عبثية”، ووصفها بأنها “عدوان” من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، وأن الحوثيين “يدافعون عن أنفسهم”، بأزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع دول الخليج.
وندد رئيس الحكومة بالكلمة التلفزيونية لنصر الله، الأسبوع الماضي، والذي اتهم فيها السعودية بالمساعدة في “نشر الفكر الإسلامي المتطرف في جميع أنحاء العالم”.
وقال ميقاتي: “كلام نصر الله بحق السعودية، لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيين، وليس من مصلحة لبنان الإساءة إلى أي دولة عربية، خصوصا دول الخليج”.
ويشدد بيرم على أن “ليس لميقاتي الحق بالحديث باسم غالبية اللبنانيين أو حتى باسم الحكومة ولو كان رئيسها”.
وعن أثر تنظيم الحزب للمؤتمر على العلاقة مع الحكومة، يقول بشارة إن “الحكومة اللبنانية ورئيسها لا يملكان أي قرار فيما يجري بلبنان، حيث أن السلطة التنفيذية معطلة بأمر من حزب الله، والأمور باقية على هذا الحال”.
وكذلك يوافق بيرم على أن تنظيم المؤتمر أو أي مواقف أخرى تصدر عن الحزب لن تؤثر على العلاقة مع الحكومة، وأضاف أن “بمعزل عن موقف الحكومة، حزب الله يرد على السعودية بعدما وصلت الأمور إلى المنطقة إلى ما هي عليه، وتحديدا في اليمن”.
والخميس، اتهمت السعودية حزب الله بانتهاج “سلوك عسكري إقليمي يُهدد الأمن القومي العربي”، بعد نحو أسبوعين على اتهام الرياض الحزب بإرسال خبراء لمساعدة المتمردين الحوثيين على إطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة تجاه المملكة.
الحرة