المولدات الخاصة للكهرباء مشاريع تقتل اللبنانيين

تعاني ماري، التي تفضل عدم ذكر اسمها كاملا، بسبب الدخان المنبعث من مولد كهربائي موجود تحت المبنى الذي تقطن فيه في قضاء بعبدا، شرقي بيروت، ما يضطرّها وعائلتها إلى ترك نوافذ المنزل مغلقة طوال فترة تشغيله.

تقول إنها “حاولت مرارا أن تشرح لصاحب المولّد مخاطر استمرار الوضع على حاله، لكن من دون جدوى، حتّى وصل بها الموضوع إلى رفع شكوى ضده، غير أنّها لم تصل إلى نتيجة؛ لتستسلم للأمر الواقع”.




بالمقابل، يلاحظ جورج صوّان، الذي يُجاور منزلَه مولّدان كهربائيّان، كل فترة وجود طبقة سوداء من الغبار على شرفة منزله ناتجة عنهما.

وتخشى ماري وسواها من أبناء الحي الإصابة بمرض السرطان الذي يفتك بالآلاف من اللبنانيين سنويا، جراء تلوث الهواء بسبب الانبعاثات الصادرة عن المولدات الكهربائية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة.

الانبعاثات الصادرة عن المولدات الكهربائية المنتشرة على الأراضي اللبنانية مسببة لأمراض السرطان الذي يفتك بالآلاف من اللبنانيين سنويا

وكان لبنان احتل في 2018 المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياسا بعدد السكان، وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية.

وكشف التقرير أن هناك 242 مصابا بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني، فيما سُجلت أكثر من 17 ألف إصابة جديدة في العام ذاته، ونحو تسعة آلاف وفاة بالمرض.

مسبّبات السرطان كثيرة، ومن أبرزها الانبعاثات الصّادرة عن المولّدات الكهربائيّة المنتشرة على الأراضي اللّبنانية كافّة، والتي تعوض عن غياب التيار الكهربائي الذي يُفترض أن تؤمنه الدولة.

ومنذ الثمانينات من القرن الماضي يعتمد اللبنانيون بشكل كبير على المولدات لسد حاجتهم من التيار، بسبب عجز الدولة اللبنانية وتحديدا مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين التغذية لـ24 ساعة يوميا؛ فباتت تنتشر المولدات في كل شارع.

وتكشف نجاة عون صليبا مديرة مركز حماية الطّبيعة وأستاذة مادّة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت أنّه “منذ 10 سنوات كان يقتصر استخدام مولّدات الكهرباء لمدّة تصل إلى 3 ساعات يوميا، وهذا ما يزيد نسبة تعرُّض السكان لملوّثات خطيرة في الهواء إلى 38 في المئة”.

وتتابع “اليوم، باتت المولّدات تُشغَّل لمدّة تتراوح بين 10 و15 ساعة يوميا، وهذا الأمر يزيد من نسبة تعرُّض السّكان لملوّثات خطيرة في الهواء بنحو 5 أضعاف الرّقم القديم”.

وتوضح أنّ “نسبة الملوثات السرطانية التي تنتج عن المولدات تجاوزت اليوم الـ300 في المئة”.

وتجزم صليبا أن ”طبيعة الهواء في لبنان سيئة جدا”، مردفة “كلنا مشروع سرطان، فصوت المولد ودخانه يعيشان في المنزل معنا”.

وعن توصياتها للأشخاص الذين يسكنون قرب مولد كهربائي، تذكر بأنه “يجب، بالأساس، ألا تكون هناك مولدات كهربائية بالقرب من المنازل”، مشيرة إلى أنّ “لا حلّ سوى الاتّفاق مع صاحب المولّد على تسوية ترضي الطّرفين”.

ويوضح رئيس تجمّع أصحاب المولّدات الكهربائيّة في لبنان عبدو سعادة أنّ “البلد يضمّ ما بين 6 آلاف و7 آلاف مولّد كهربائي موزّعة على الأراضي اللبنانيّة كافة”.

وزارة البيئة بمفردها لا يمكنها أن تعالج هذه المشكلة

ويقول إن “المولدات بعيدة من المنازل، كما أننا نحاول حماية الناس من آثارها قدر الإمكان”.

ويضيف “نحن نستوفي الشروط اللازمة الخاصة بالمولدات، مثل وضع ‘الفلاتر’ التي تخفف من انبعاثات الغازات الملوثة”، متسائلا “لماذا لا يتم الانتباه أو تسليط الضوء على التلوث الصادر عن معمل الذوق الحراري المخصّص لتوليد الطّاقة الكهربائيّة، شرقي بيروت؟”.

وبلغت نسبة تلوّث الهواء في منطقة ذوق مكايل، شمال بيروت، 170 مرة أكثر مما هو مسموح به دوليا، وفق ندوة عُقدت أخيرا حول “التحديات البيئيّة في ظلّ الأزمات الرّاهنة”، من تنظيم الحركة الثّقافيّة في منطقة أنطلياس، شمالي العاصمة، شارك فيها وزير البيئة ناصر ياسين.

وفي العام 2011 صدر عن وزارة البيئة قانون ينص على مراقبة تشغيل المولدات الكهربائية واستثمارها، ويحدّد الشروط الفنية المطلوبة والضروريّة لكلّ مولّد، منها تزويده بنظام فعّال لمعالجة الملوّثات الهوائيّة، وصيانته بشكل دائم.

وكان وزير البيئة الحالي قال خلال الندوة المذكورة إنه “لا توجد سياسة مستدامة في لبنان تخفف من التلوّث، وإنّ وزارة البيئة بمفردها لا يمكنها أن تعالج هذه المشكلة”.

وأردف أنّ “السّياق الذي نحن فيه غير مشجع، وعلى الدولة أن تؤمن الكهرباء، لأن من الصعب الطلب من أصحاب المولدات تركيب ‘فلاتر’، فوضعها أصلا غير شرعي، ومن واجب الدولة توفير الطاقة”.

ويعاني لبنان منذ أشهر نقصا في الوقود المخصص لتوليد الطّاقة (الديزل)، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده، ما تسبّب بازدياد ساعات انقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة يوميا.

ومطلع يونيو الماضي وصف البنك الدولي الأزمة في لبنان بأنّها “الأكثر حدّة وقساوة في العالم”، وصنّفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سُجّلت في التّاريخ منذ أواسط القرن التّاسع عشر.