
ابراهيم بيرم – النهار
أزمة العلاقة المحتدمة والأبواب الموصدة بين أعلى رئاستين دستوريتين تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد العام في البلاد، وتترك تأثيراتها السلبية على كل جوانبه السياسية والاقتصادية والقضائية، وتنذر بالأسوأ ما لم يُتدارك الموقف على حد إقرار رئيس مجلس النواب نبيه بري في تصريحاته أخيراً.
عنصر الإثارة والتشاؤم في أن توتر العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية إلى تصاعد شبه يومي، وتتحول دوماً إلى سجال عاصف مادته كلام ينمّ عن طبيعة “عدوانية” توحي بأن الأمر يتخطّى حدود الخصومة والتباين السياسي إلى ما يشبه صراعاً بين عدوّين تسقط أمامه كل الخطوط الحمر التي يُفترض أن تكون بين قوتين لديهما تفاهم بالواسطة.
وسط هذا العصف السياسي يتبدّى “#حزب الله” في موضع العاجز والقاصر عن الفعل من جهة وفي موقف المتأذّي والمتضرّر من جهة أخرى، فيما هو يبحث بدأب عن “شبكة أمان” سياسية تقيه غائلة الضغوط المشتدّة عليه والتي تغري مروحة الخصوم والأعداء السياسيين فيرفعون في وجهه قفاز التحدي تحت عنوان: إن ساعة تصفية الحساب آتية لا ريب فيها، وإن موعد القهر والغلبة هو يوم الانتخابات النيابية.
مشهد من الفوضى والتضارب السياسي يعصف بالساحة ويرفع منسوب الضيق على اللبنانيين الذين تشتد حول خناقهم ساعة بساعة مفاعيل الأزمة الاقتصادية مقرونة بشعور المرارة من أن أي جهة سياسية أو مسؤول لا يقف ويمنحهم جرعة أمل بأن ثمّة باباً لانفراج موعود ولو بعد حين.
ووسط هذا المناخ السوداوي، يرى القيادي في “#التيار الوطني الحر” وعضو تكتل “لبنان الحر” النيابي ألان عون: “إننا محكومون جميعاً، نحن وسوانا، بضرورة البحث المستدام عن حلول وتسويات تخرجنا من هذا الوضع، وتضع حدّاً لهذا الصراع الحاد بين الرئاستين الأولى والثانية”. ويقول عون في تصريح لـ”النهار”: “إن عنصر السوء في المشهد الخلافي الحالي يكمن في أن الخلاف السياسي الفارض نفسه بعناد ينعكس سلباً على عمل المؤسسات الدستورية وعلى أدوارها المرجوّة”.
ويضيف: “في الحالات الطبيعية والعادية تكون التعارضات في الرؤى السياسية أمراً مقبولاً يمكن التعايش معه، وهناك العديد من الخصومات السياسية تبقى محدودة في هذا الإطار، ولكن ما يحصل الآن من جرّاء الخلاف الآخذ بالتصاعد، أن المؤسسات تغدو ضحية الإشكال والاشتباك السياسي وتتحوّل متاريس وتعطيلاً موصوفاً.
ويستطرد: “في هذه الحال لا يتعيّن على أحد أن يقف مكتوفاً متفرّجاً أو يجدها فرصة للشماتة وتصفية الحساب، بل يجب على الجميع الانخراط في عملية بحث جدّي عن تفاهمات سياسية تسهم في بعث الروح في المؤسسات وتفاعلها معاً”.
وقال: “أعتقد أيضاً أنه يجب على أطراف الخلاف الترفع عن الحساسيات ووضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار آخر وأن يبدّلوا أولوياتهم. وليس جديداً القول إن للتعطيل الحاصل أضراراً على الحكومة التي أخذت على عاتقها تنفيذ برنامج إنقاذي والشروع في مفاوضات مع صندوق النقد، فضلاً عن أن اتخاذ قرارات من طبيعة علاجية. وأكرر أن الحكمة تقتضي من الجميع التفتيش عن حلول لإعادة الحياة إلى عمل المؤسسات لأن ذلك مدخل لتطوير العلاقات السياسية لاحقاً”.
وعن الاتهامات التي توجَّه للرئاسة الأولى بأنها هي المسؤولة عن إطالة أمد الأزمة من خلال عدم تعاونها جدياً لإيجاد حل لموضوع المحقق العدلي في انفجار المرفأ، أجاب عون: “لقد برهنت التجارب والتطورات الأخيرة أن مسار معالجة هذه القضية هو مسار قضائي ‒ دستوري محض. ولا نجد أي باب لحلول على أساس سياسي. والمعلوم أن ثمة محاولات سياسية بذلتها أكثر من جهة، لكنها اصطدمت بالأمر الواقع وعنوانه أن مفتاح الحل بيد القضاء وحده الذي هو مرجعية. وبات يجب على القضاء أن لا يبقى في موقع المتفرج على الأزمة تتفاعل من دون أن يبادر. وبمعنى أوضح، إن مجلس القضاء الأعلى مدعوّ إلى دور يسهم في تنفيس الاحتقان وفي إنقاذ الحكومة، واستطراداً في الإسهام في إخراج البلاد برمّتها من براثن أزمة حقيقية تركت انعكاساتها السلبية على كل الأوضاع. لم يعد مقبولاً منه الاستمرار في موقف المتفرّج متحصّناً بصلاحياته ودوره، عليه أن يسعى إلى سحب ملف قضائي من الكباش السياسي ويعيده إلى سكّته القضائية لفتح أبواب الحل وتحريك الملفات الأخرى العالقة”.
وعن التوجه الذي يعتزم التيار المضي به إن لم يأخذ المجلس الدستوري بالطعن المقدم إليه في شأن انتخابات المغتربين، أجاب: “نحن نقبل بحكم المجلس الدستوري مهما كان. وما سيحصل أن الانتخابات ستجري مبدئياً في أيار المقبل والمغتربون سيقترعون وفق ما اقترعوا في انتخابات عام 2018. هذه حدود المسألة ونحن توسلنا الأصول الدستورية والقانونية المتاحة لندافع عن وجهة نظرنا”.
وعن رأيه في الدور الوساطي لـ”حزب الله” في الخلاف الحاصل، أجاب: “ما كونّاه من قناعات بفعل التجارب أن الحزب محرج من جهة ومقصر عن فعل بإمكانه القيام به من جهة أخرى. وكلا الأمرين عائدان إلى أولوية الالتزام عنده بما صار يُعرف بـ”الثنائية” بينه وبين #حركة أمل والرئيس بري التي يبدو أنه يضعها فوق الاعتبارات الأخرى”.
وأضاف: “لا ننكر أن الحزب يسعى دائماً إلى تأدية دور وساطي لتهدئة الأجواء بيننا وبين الرئيس بري، ولكن ما نظنه أن هذا الدور يأتي أولاً متأخراً عن موعده، ولا ينطوي ثانياً على مساعٍ لمعالجات وقائية تتوخّى تلافي الأسوأ وتحول دون بلوغ الأمور مرحلة التأزّم والاستعصاء. وعلى العموم نحن نرى أن المطلوب من الحزب ليكون عند المأمول منه أن تكون وساطته مستدامة وأن تكون أعمق، ووفق توجّه وقائي لا مجرّد تدخلات غب الطلب، لأننا في نهاية المطاف نحن والحزب أكثر من يدفع الثمن”.