الضغوط على مصرف لبنان تهدر الاحتياط الالزامي… تزويد المصارف دولارات من دون خطة يضيّعها

يستمرّ #مصرف لبنان، وتحت وابل من الضغوط السياسية، في الضغط على الاحتياط الالزامي من العملة الصعبة، من دون وجود رؤية اقتصادية واضحة، ليكون تأثير قراراته لا يتعدّى المدى القصير جدّاً، والقرارات الاخيرة اول من امس لا تخدم سوى الجهات التي تعلم بالقرار قبل صدوره، فتبيع وتشتري #الدولارات على ضوء المعلومات التي يعود ويتخذها “قادة الانهيار” في اجتماعاتهم. هذه المرة أعلن المصرف المركزي أنه سيتدخل في السوق ليحدّ من تدهور الليرة في السوق الموازية بعدما لامس الدولار الـ29 ألف ليرة. وبالفعل في اليوم الأوّل بعد صدور الإعلان، تراجع سعر الصرف إلى 27 ألفاً.

خطة “المركزي” هذه المرّة أن يزوّد #المصارف العاملة بما اعتبره “حصّتها النقدية لما بقي من هذا الشهر” بالدولار الأميركي النقدي بدلاً من #الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصّة “صيرفة”. وفي الإعلان عينه قال مصرف لبنان إنّه “سيتمّ تنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدّد في التعميم 151 أي 8000 ليرة لبنانية”.




الموضوع ملتبس جدّاً، تماماً كما حصل بعد صدور التعميم الوسيط 601، الذي جاء مناقضاً لتصريحات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي وقّعه، فالأخير قال إنّ رفع الدولار المصرفي إلى 8 آلاف ليرة لبنانية سيزيد من حدّة انهيار سعر الصرف. وفي الإعلان الجديد التباس أيضاً، إذ ماذا يقصد مصرف لبنان بحصة المصارف من الدولار لدى البنك المركزي؟ هل هي احتياطات المصارف لديه؟ يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي “النهار”: “هل لدى المصارف احتياطات بعد؟ فإن كان لديها دولارات فيترتب عليها دفعها للمودعين ولكل صاحب حساب جارٍ بالدولار”.

وشدّد يشوعي على أنّ “إعلان مصرف لبنان غير واضح”، سائلاً: “لمن ستبيع المصارف هذه الدولارات؟ الأمر فيه التباس”.

القرار الجديد سيساهم في إهدار كمّيات جديدة من الدولارات التي ستحصل عليها مجموعة من المحظيّين، سيشترون الدولارات على أساس سعر صرف منصة “صيرفة” الأقل من سعر السوق السوداء. تتفنّن السلطة في شراء الوقت من دون حلول جذرية، كل ذلك على حساب المودعين والليرة.
أهدرت حكومة حسان دياب ملايين الدولارات على سياسة الدعم التي استفادت منها مجموعة من التجّار والمحظيّين أيضاً، ورغم فداحة المشهد الاقتصادي والمعيشي، لا تزال القنوات مفتوحة لتوزيع المغانم. وضمن هذا الإطار علمت “النهار” أنّ قيادات مجموعات حزبية تشارك في عملية اتخاذ القرار، ربحت الكثير من خلال شراء الدولار من السوق السوداء قبل صعوده إثر تطبيق التعميم الجديد.

يمضي “المركزي” في اتخاذ قراراته من دون أن تكون جزءاً من مسار إصلاحي شامل، لذلك سأل الخبير الاقتصادي جان طويلة عن “مصدر الدولارات التي يقوم مصرف لبنان بضخها في السوق السوداء”. وقال لـ”النهار”: “صحيح أنّ المركزي يضخّ الدولارات، وعلى المدى القصير قد يسود جوّ من الهدوء في السوق نوعاً ما، لكن على المدى المتوسط والطويل لن يتغيّر أيّ شيء، والدولار سيواصل مساره التصاعدي”.

ولفت طويلة إلى أنّ “من الممكن أن يُضبط سعر صرف الدولار في اليومين المقبلين، لكن على المدى الطويل سيسلك الدولار منحاه التصاعدي مجدداً. سيستخدم مصرف لبنان الاحتياط من العملة الصعبة لديه وسيتراجع أكثر في وقت نحن بأمسّ الحاجة الى العملات الصعبة الموجودة في السوق، ويأتي ذلك ضمن استراتيجية وقف الانهيار والقيام بالإصلاحات”.

إنّ الدولارات الباقية لدى مصرف لبنان يجب استخدامها لإعادة أموال المودعين، ولحماية الليرة من الانخفاض الجنوني عبر تأمين حدّ أدنى من الاستقرار النقدي، وذلك عن طريق استخدام هذه الدولارات للقيام بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي. إلّا أنّ “المركزي” يواصل من خلال هذه الإعلانات والتعاميم خلق أسعار صرف متعدّدة، وهو وضع مخالف لما يأمل صندوق النقد تحقيقه في لبنان من خلال توحيد أسعار الصرف.

كلّ ما يقوم به “المركزي” الآن هو سياسة ترقيعية، لأن لبنان بحاجة إلى دولارات، ولا سبب لدخولها إلى الاقتصاد اللبناني. فكيف سينخفض سعر الصرف وسط غياب الإصلاحات، وتوتر الوضع الأمني والسياسي، وتوقف الحكومة عن العمل، من دون أيّ بوادر إيجابية تسمح للوضع بالتحسّن بطريقة مستدامة؟

لذلك أوضح طويلة لـ”النهار” أنّه “من دون إصلاحات يهدر مصرف لبنان المزيد من الدولارات، حتى لو نجح في ضخّ الورقة الخضراء وضبط السوق على المدى القصير”، منتقداً “القرارات التي تؤدّي إلى ضخّ المزيد من الليرة في السوق، فخلال الأشهر الـ6 أعطت الدّولة مساعدات استثنائية مرّتين للقطاع العام، وكلها بالليرة اللبنانية”.

كل الإجراءات المتبعة تقودنا إلى الـ”Lirafication” (أي تحويل الحسابات من دولار إلى ليرة). وأشار طويلة إلى أنّ “الهدف من التعميم الجديد الرقم 601 تسريع هذه العملية، وسيكون له تأثير سلبي على سعر الصرف، اضافة إلى حرق ما بقي من دولارات. لذلك يمكن وصف ما يقوم به المركزي بالخطط الترقيعية من دون أيّ رؤية شاملة ومتكاملة كي يؤمّن على أساسها الاستقرار النقدي. ولتأمين الاستقرار النقدي يجب ضبط طباعة الليرة، ووضع إدارة سليمة لما بقي من عملات أجنبية، إضافة إلى ضخّ دولارات في السوق من خلال صندوق النقد الدولي، وأيضاً تأمين جوّ من الثقة مترافق مع الإصلاحات. إلى ذلك يترتب التفاوض مع الصندوق وإعادة هيكلة القطاع المصرفي”.

في شقه الثاني، ينصّ إعلان “المركزي” على “تنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدّد في التعميم ، أيّ 8000 ليرة حالياً، ما يساعد في خفض الطلب على الدولار وزيادته على الليرة اللبنانية في الأسواق”. وعلّق يشوعي على ذلك قائلاً: “لن يقبل أيّ مصرف بتسديد قرض معطى بالدولار إلّا بشيك بالدولار، لذلك لن تلتزم المصارف تعاميمه، ولن تقبل بسداد القرض بالدولار على أيّ سعر صرف حتى على سعر الـ8000 ليرة”.

من جهته، شدّد طويلة على أنّ “المركزي وفّر على المقترضين من خلال التعميم اللجوء إلى السوق السوداء لشراء دولار بغرض سداد ديونهم التجارية، لذلك سيكون على المصارف الإسراع في امتصاص السيولة بالليرة لأنّ المقترضين سيشترون الليرة اللبنانية من السوق”.

وأكد طويلة أنّ “الانعكاس سيكون على المصارف، لأن القروض التي أقرضتها بالدولار قال مصرف لبنان إنه يمكن دفعها على سعر صرف 8000 ليرة، وبهذه الطريقة تنخفض ميزانية المصارف ويجب أن تصغّر حجمها”. ومن ناحية أخرى يشجّع رفع “اللولار” من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة على أخذ الودائع باللولار من البنوك، فيتقلّص حجم الأخيرة، وهذا يشكل تهيئة لدخول المصارف في مرحلة إعادة الهيكلة عندما تصبح أصغر وتبقى التزاماتها فقط تجاه من استطاع الصمود ولم يسحب وديعته على سعر 8000 ليرة.

النهار