لم تقم الصيغة ال#لبنانية بين الموارنة والسنّة، كما يحلو لكثيرين ممن يقلقهم النظام القائم، أو يريدون تغييره لمصالح مذهبية ضيقة، وآنية مصلحية، أن يكرروا على الدوام، فيبدون رغبتهم في دخول الحلبة والمشاركة الفاعلة في الحياة الوطنية ظاهراً.
قام الميثاق بين المسيحيين والمسلمين، أي مجموع المسلمين ومجموع المسيحيين، كمجموعتين تشمل كل واحدة منهما كل المذاهب المنضوية تحت لوائها. فالمسيحيون في لبنان نحو 12 مذهباً، والمسلمون 5، إضافة الى الطائفة اليهودية المحسوبة ضمن التنوّع فقط، ولكن خارج الصيغة، ليصبح العدد الاجمالي 18 طائفة أو مذهباً معترفاً بها رسمياً تشكل النسيج اللبناني.
صحيح أن الموارنة والسنّة والشيعة يمثلون المذاهب الكبرى عددياً، والأكثر تأثيراً في الحياة السياسية، إلا أنهم لا يشكّلون وحدهم البلد، ولا هم يحتكرون نهضته، ولا علومه، ولا حياته الاقتصادية، ولا الثقافية، شأنهم في ذلك، شأن المذاهب الأخرى، التي لا تقيم وزناً لعقيدة أو فكر يسرّب خارج اطارها.
ومقاطعة أي مذهب، أو جماعة سياسية محتكرة تمثيل المذهب، أو تقبض على أكثريته، مجلس الوزراء، أو مجلس النواب، لا تسقط الميثاقية إطلاقاً، إذ إن ذلك يفترض تحويل الحكومة على شاكلة مجلس الشيوخ المنتظَر. فغياب العلويين مثلاً يتكرر في كل الحكومات، وغياب اليهود واقع منذ إنشاء الكيان، وهذا يعني انتقاصاً من الميثاقية المذهبية المفترضة.
ثم لماذا لا تعرّض مقاطعة الدروز، أو الأرثوذكس، أو الكاثوليك، أو الأرمن، الميثاقية للخطر، وتمنع انعقاد مجلس الوزراء، أو مجلس النواب؟
وحده الرئيس فؤاد السنيورة تجرّأ على رفض ما تريد قوى الأمر الواقع فرضه، عندما مضى في حكومة قاطعها الوزراء الشيعة، واستقالوا منها، واعتُبرت في نظرهم بتراء، لكن السنيورة رفض ابتداع أعراف واملاءات جديدة فمضى بحكومته، ولم تؤثر عليه محاولة التعطيل آنذاك.
وكلّ ما يتردد عن عدم شرعية قرارات تلك الحكومة هراء، إذ إن ما أقره مجلس الوزراء عُمل به ونُفّذ، ولو جرت محاولات لاحقة لـ”شرعنته” تحت شعار غياب الميثاقية عن تلك الجلسات، وبالتالي عن القرارات.
اليوم، يجد الرئيس نجيب ميقاتي نفسه أمام الواقع عينه، أمام مقاطعة شيعية، لكنه لن يجرؤ على القيام بخطوة مماثلة، فقد تبدلت الظروف والمعطيات المحيطة، وتراجع الدعم الخارجي لما كان يسمى “قوى 14 آذار” التي اضمحلت أصلاً، وأمسك الحزبان الشيعيان بالقرار أكثر فأكثر، ربطاً بتطورات الاقليم.
لكن ما يجب على الرئاستين الأولى والثالثة فعله هو عدم تثبيت أمرين: أولهما فرض الأمر الواقع على الدولة بما يسيء الى صورتها في الخارج، وقد شاهدنا فصولاً خلال لقاء الرئيس الفرنسي بوليّ العهد السعودي اللذين وضعا الحكومة على المحك ولبنان كلّه أمام قدرته على اتخاذ قرارات وتنفيذها والتزامه تعهداته تجاه الأسرة العربية والعالم. والثاني: عدم القبول بفرض عُرف جديد مخالف للدستور، وإلا الذهاب به الى الأخير، واعتبار غياب أي مذهب من المذاهب الـ18 المؤلفة للكيان انتقاصاً للميثاقية مما يجعل كل الحكومات غير شرعية في غياب العلويين، والسريان، والكلدان، واللاتين، والاشوريين، والاقباط، واليهود.
إن الفقرة “ي” من مقدمة الدستور التي تنص على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، لا تعني الاستغلال السياسي السيئ خارج إطار الدستور نفسه.
ليست دعوة الى المواجهة، ولا الى حرب أهلية، ولا الى 7 أيار جديدة، فالواقع مختلف تماماً، ولا يحتمل البلد اي خلاف، ولكن في المقابل يجب عدم تثبيت العرف المفروض بقوة الامر الواقع، لئلا يصبح سابقة. وما أكثر السوابق.