راجح الخوري - النهار

الدولة جثة… متى الدفن؟ – راجح خوري – النهار

تبقى الحكومة في الأسر والسلطة التنفيذية في الشلل، ورغم تزخيم الإجتماعات المبتورة ومراكمة التصريحات وإغراق الناس بالوعود والكلام الإنشائي المتهالك، فإن كل هذه الحركة بلا بركة، سواء جرت مع الرئيس ميشال عون في بعبدا، أو مع الرئيس #نجيب ميقاتي في السرايا، أو مع الوزراء وغيرهم من المسؤولين، الذين يضربهم العجز عميقاً، كما يضرب السلطة المنهارة العاجزة، التي باتت تخشى حتى الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، بما يستدعي القول اننا لسنا في دولة وإنما في جنازة يومية لدولة ماتت وشبعت موتاً وليس من يدفنها، ليقيم الشعب عرساً بدلاً من العزاء!

يوم الإثنين الماضي قال الرئيس ميقاتي بعد اجتماعه مع عدد من الوزراء وممثلي الهيئات الاقتصادية، “ان السعودية ودول الخليج ضاقت ذرعاً بقول الشعارات وعدم تنفيذها”، ولكأن الذي يطلق هذه الشعارات هو الشعب وليس المسؤولين الذين يغطّون في النوم وفي العجز خوفاً، من دون ان يتذكّروا ان ال#لبنانيين هم الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدولة المسخرة، وهذه الحكومة المقعدة، التي لم تخجل فاتخذت عنواناً واهماً ومبكياً هو “معاً للإنقاذ”، ولكنها كانت أعجز من ان تحفظ ماء وجهها فتعقد اجتماعاً، يخرج عن معادلة التعطيل التي تفرضها “الثنائية الشيعية”، عندما تضع معادلة وقف تعطيل الحكومة مقابل إزاحة القاضي طارق البيطار، وهو ما أوصل البلد الى مأساة وضع السلطة التنفيذية في وجه السلطة القضائية …ومرحباً أيها الدستور!




هل كثير إذا قلنا ان لبنان بلا دولة لكنه يبقى عالقاً في انياب تماسيح منظومة الفساد والنهب، ولهذا لم يكن مفاجئاً ان نقرأ اول من امس، ان عدد الفارّين من الخدمة في الجيش اللبناني تجاوز الخمسة آلاف بين ضابط وجندي، وان عدد الفارين في قوى الأمن الداخلي يناهز الـ 500 وأنه يتجاوز العشرات في باقي الأجهزة الأمنية، ولكننا لم نسمع تعليقاً مفيداً من مسؤول، وليس من عجب، فقبل اشهر قال قائد الجيش العماد جوزف عون “ان الجيش يجوع مثل الشعب”، ولكن أحداً لم يسمع أو يستيقظ ويعي معنى هذا الكلام الذي كان بمثابة إنذار صريح، باستثناء بعض الجهات الدولية الحريصة على عدم الإنهيار النهائي لهذا البلد.

في نهاية شهر تشرين الثاني أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عن مخاوفه من تدهور الأوضاع في لبنان وعجز الدولة حتى عن تأمين الخدمات الأساسية مما يقوّض تنفيذ القرار 1701 الذي لم يتردد الرئيس عون في القول من قطر ان “حزب الله” ينفذه، من دون الإشارة الى دور الدولة حيال هذا الأمر، رغم ان تراجع قدرة الجيش اللبناني في ممارسة عملياته الى جانب “اليونيفيل” بات يشكل مصدر قلق لدور القوات الدولية في الجنوب!

ولهذا كان من المعيب ان تضطر “اليونيفيل” قبل فترة الى تسليم اول شحنة شهرية من الوقود للجيش، وجاء هذا بعدما كان قد طلب من مجلس الأمن في آب الماضي دعمه بالمواد الغذائية والأدوية، ووصلنا الى وقت تتبرع فيه بعثة الأمم المتحدة حتى بتقديم وجبة طعام واحدة يومياً لـ 27 ألف عسكري لمدة شهر، ورغم كل هذا لم يدفع الحياء أو الخجل واحداً من المسؤولين إلى إلقاء نفسه عن سطوح الفضائح أو اشعال النار في شرفه الملوث، أو وضع رصاصة في رأسه الصدىء.

وبعيداً من أي مقاربة شخصية لهذا الكلام، أوَلم يحسّ اهل الدولة المعفنة ان الشعب ايضاً ضاق ذرعاً بهم، وان المسؤولية تريد ان تلبطهم، وهم ينامون عن جيش يجوع وتتصدق عليه الدول بلقمة طعام، وعن شعب غارق في براميل النفايات، التي تليق بمنظومة السارقين الفاسدين الذين جعلوا من لبنان مستوعباً للأحياء الأموات، نعم الأحياء الأموات ما لم يستيقظوا اليوم ويسحبوهم الى براميل النفايات!