من يجرؤ على إقفال جامعات مخالفة؟

ابراهيم حيدر – النهار

ليس المطلوب من مجلس #التعليم العالي أن يعمل كفريق عمل متجانس، وعلى سويّة من التفكير والكفاءة، بل أن يترك مساحة لوجهات النظر في عملية التقييم. التجانس يعني التوافق على تمرير قرارات وصوغ تسويات ليست لمصلحة القطاع بالضرورة، ما دامت التجربة أثبتت على مدار عقود أن المجلس تولّى تمرير ملفّات لجامعات لا تستوفي الشروط الأكاديمية، وخالف تقارير اللجان الفنية، أو بعض أعضائها على الأقلّ، لا بل إنّه غطّى مخالفات لجامعات لا تزال محميّة من أطراف سياسية وطائفية. الكلام هنا للقول إن أمور المجلس الذي تشكّل بصيغة جديدة أخيراً، لا تستقيم إن كان سيستقرّ على صورة البلد، فالتصدّي للخلل القائم لا يكون بإطلاق وعود بعدم التوصية بإصدار أيّ ترخيص لإنشاء جامعات جديدة، بل بمعالجة الوضع القائم ومكافحة التزوير ورصد المخالفات وصولاً إلى التوصية بإلغاء تراخيص لمؤسّسات هي أقلّ من مدارس إفرادية تضلّل وتسيء للتعليم العالي ولا تلتزم المعايير الأكاديمية أو الحدّ الأدنى من الشروط.




نادراً ما كشف مجلس التعليم العالي مخالفات الجامعات. المصادفة وحدها كانت كفيلة بكشف الكثير، من التزوير وبيع الشهادات. نتذكّر مثلاً أنّ فروع ثلاث جامعات خاصّة تورّطت قبل سنوات في تزوير شهادات وبيعها، اكتشفها تحقيق عسكري، وأيضاً مخالفات أخرى لجامعات في التسجيل وإصدار شهادات عن جامعات أجنبية قبل حيازة ترخيص أو مرسوم.

المهمّة الأولى للمجلس بعد غياب ثلاث سنوات لم يجتمع فيها إلّا مرّات قليلة، هي في إعادة التدقيق بعدد كبير من المعاهد والجامعات التي مُنحت تراخيص وهي غير مستوفية للشروط، ومنها في شكل أساسي خرج التزوير وبيع الشهادات ومخالفات أسهمت بتخريج جيل تسعى وزارة التعليم العالي إلى تسوية أوضاعه وتصديق شهادات طلّابه. وكذلك بالمصادفة اكتشفت المخالفات حول شهادات الطلاب العراقيين في الماجستير والدكتوراه.

لذا لا بدّ من موقف لمواجهة التكاثر المرضيّ للجامعات ¬– الدكاكين وهي اليوم لا تنفك تتوسّع لأهداف ربحية وتحت غطاء سياسي وطائفي.

هناك جامعات مخالفة ومزوّرة لا تزال تتفلت من المحاسبة، وأقلها إقفال فروع واختصاصات غير مرخصة وفرض غرامات، والتوقف عن استقبال طلّاب ومنع استخدام أسماء غير مبرّرة، إذ لا يمكن الاستمرار في هذا الوضع، وترك الأمور متفلتة بمختلف التسميات، حيث يسهل على جامعة نالت الترخيص بقرار وزاري أن تتمثل بأسماء جامعات كبرى وعريقة لاستقطاب الطلاب، وهي لا تبتعد عن التسويق التجاري وحتى انتحال الصفة.

في لحظة سياسية يمكن شلّ مجلس التعليم العالي ولجانه الفنّية. نشهد اليوم مثلاً تجاوزاً للتحقيقات في التزوير والبيع، وتستمرّ جامعات كانت قد اتُّخذت بحقها إجراءات في تنسيب طلاب جدد وتقديم عروض بالجملة، فالحماية السياسية تفعل فعلها، ما دامت المخالفات وتزوير الشهادات وبيعها تحصل منذ سنوات طويلة، ولا ضبط للتفلت الذي يسود القطاع، في غياب قانون الجودة، وبفعل المحاصصة السياسية والطائفية، واستمرار الضغوط من النافذين لعدم فتح الملفات والوصول إلى قرارات تؤدّي إلى إلغاء تراخيص، وهي منوطة بمجلس الوزراء. نعلم أنّ هناك جامعات لأهل الحكم أو ترتبط بأواصر علاقة نفعية مع الحكّام، لكنّها تخالف أبسط القواعد الأكاديمية. هنا التحدّي لمجلس التعليم العالي، فهل يجرؤ على إلغاء التراخيص؟