يغدو ضرباً من ضروب طمر الرؤوس في الرمال، التقليلُ من خطورة الدلالات الدستورية لأزمة تعطيل انعقاد جلسات #مجلس الوزراء مع حكومة تحظى بأكثرية نيابية ساحقة كحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. هذه التجربة الجديدة في الأرشيف الطويل للأزمات الحكومية المتعاقبة في لبنان، أقلّه منذ اتفاق الطائف وفي ظلّ تعديلاته الدستورية، ليست أبداً من النوع الطارئ العابر كما يجري تعميم الانطباعات عنها من المتورّطين في تعطيلها أو من العهد ورئيس الحكومة، بل لعلّها إحدى الأزمات التي قد تقود عبر سنة 2022 الانتخابية المفصلية والمصيرية في لبنان إلى ما يضع المصير الدستوري للنظام بمجمله على محكّ الخطورة المتناهية وليس أقلّ من ذلك.
المسألة لم تعد تقف عند حدود تمويهية يتعطل عبرها العصب الرئيسي للسلطة التنفيذية التي أناطها اتفاق الطائف بمجلس الوزراء مجتمعاً تحت ستار مطلب لفريق حزبي مذهبي بعينه يريد ظاهراً “قبع” #طارق البيطار فيما أضحت شبهة قبع الطائف برمّته هي المسألة التي لا يمكن إدارة الظهر لها ولا التعامل معها بسياسات الإنكار والتستّر والتخفّي.
ليست مسألة عابرة إطلاقاً أن تتوغل ولاية الرئيس ميشال عون في مطالع سنتها الأخيرة الى أزمة نظام تدور كلّ الشبهات حول افتعالها وتعميقها وجعلها مستعصية على الحلول والتسويات قبل أن يرسم الخط البياني لموازين القوى الذي يمسك به الآن تحالف العهد و”حزب الله” والذي لن يكون مضموناً إطلاقاً استمراره بعد #الانتخابات النيابية، بل إن احتمالات تعرّضه لضربة قاصمة انتخابية تتعاظم باطّراد. حتى إن كبير نوّاب كتلة “حزب الله” محمد رعد بادر بنفسه الى استباق الاستحقاق الانتخابي النيابي بما يوحي باستعداد حزبه لإفراغ نتائج الانتخابات سلفاً من أيّ تطوّر انقلابي شرعي ومشروع قد يكسر أو يطيح الغالبية الحالية حين جزم بأن أيّ أكثرية جديدة لخصومه لن تتمكّن من الحكم وحدها كما جرى الأمر مع أكثرية 14 آذار سابقاً. والحال أن هذا الكلام ليس حقيقياً فحسب بل هو عصارة ما ينبغي التوقف عنده لأنه ينطوي واقعياً على أساس التوجّه الى إفراغ اتفاق الطائف من مضمونه كما يجري منذ أكثر من عقد ونصف عقد تباعاً، بالممارسات والأعراف القسرية، لكي يغدو تراكم الانتهاكات الدستورية إرثاً تراكمياً بذاته يهيّئ الفرصة لإطاحته النهائية في اللحظة الإقليمية المطلوبة.
بعد 32 عاماً على ولادة اتفاق الطائف، وصل الانسداد السياسي في لبنان الى درجة استعصاء القدرة لدى رئيسي الجمهورية والحكومة على عقد جلسة لمجلس الوزراء، في بلد يشهد انهياراً قلما عرف العالم مثيلاً له بما يحتاج معه الى مجلس الوزراء “مقاتل” مستنفر لا ينام ولا يفضّ جلساته ليلاً ونهاراً على مدى الساعات الأربع والعشرين، في سباق مصيري مع الوقت الضائع والتعطيل القاتل.
وبعد 14 عاماً من مؤتمر سان كلو في فرنسا لممثّلي القوى اللبنانية عام 2007، استعصت الحيلة على فرنسا ماكرون الذي على رغم انهماكه وبلاده في المعركة الرئاسية الفرنسية لا يزال يضع لبنان في أولويات أجندته وتحرّكاته الخارجية، فإذا بفريقه الاستشاري يعود الآن الى استيحاء تجربة سان كلو مجدّداً لعلّها تحيي العظام وهي رميم في ما يسمّى حواراً لبنانياً لبنانياً!
إن كان عقد جلسة لمجلس الوزراء اللبناني صار بهذه الصعوبة الكأداء، فلا ضير إذن في أن ننبّه السذّج من بيننا الى انه آن الأوان لأن تستفيقوا على هذا الدجل التمويهي وأن تسقطوا تصديقه. المطلوب واحد: إسقاط الطائف، وقد اقترب!