
غسان الحجار – النهار
قالها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي علناً أنه لم يطلب إلى وزير الإعلام #جورج قرداحي تحكيم ضميره، بل تمنى عليه الاستقالة المباشرة لتخفيف الاحتقان. والوزير السابق سليمان فرنجيه، وفق قريبين منه، لم يمانع الاستقالة بداية، لكنه تشاور مع حلفائه في الداخل والخارج، ووجد تصلّباً حيال الأمر لدى “#حزب الله” الذي رفض الفكرة في أساسها، وعدَّها تنازلاً للمحور الذي تقوده السعودية في التصدي لمحور ايران – سوريا. ورئيس الجمهورية ميشال عون التزم الصمت لأنه لم يرد المواجهة مع الحزب، لكنّه ضمناً، مع تياره السياسي “التيار الوطني الحر”، يتمنّى ازاحة قرداحي الذي خرج عن التحالف معه ولجأ إلى خصمه المستجد فرنجيه، والرئيس نجيب ميقاتي يعتبر هذه الاستقالة ضرورية وملحّة، وذلك قبيل وصول الرئيس ايمانويل ماكرون إلى السعودية، لاعطائه فرصة التوسط مع المملكة.
لكن كلام قرداحي ليس أساس المشكلة، وليس مفاجئاً، اذ هو تكرار لمواقف سابقة له، يعلمها القاصي والداني، وهو حرّ فيها، وقد اعترف وزير الخارجية السعودي بأن القلوب المليانة هي التي فجّرت تلك العلاقة، والتراكم في السلبيات، وعجز الدولة اللبنانية عن لجم الاعتداءات، اللفظية اقلّه، على المملكة.
لكن استقالة قرداحي تحوّلت بين ليلة وضحاها مطلباً رئيسياً ومفتاحاً، لا لحلّ يعيد الامور إلى ما كانت عليه سابقاً، بل لإبداء حسن النيّة، وإظهار ايجابية تجاه ال#دول الخليجية التي وقفت إلى جانب لبنان في محنه، ولم تتخلّ عنه، وهي لا تجني في المقابل اي مكاسب من حسن العلاقة معه.
واستقالة قرداحي التي يضعها هو نفسه في الميزان، ويشاور اصدقاء باستمرار في شأنها، لها ايجابياتها والسلبيات. لكن الاولى تفوق الثانية، على الصعيدين الوطني والشخصي.
نبدأ بالسلبيات، وفيها ان قرداحي سيخسر مقعده الوزاري الذي حلم به وسعى اليه، من دون إمكان العودة مجدداً إلى اي حكومة مقبلة، اذ ان كل رئيس مكلّف سيستبعد تسميته بعدما تحوّل رمزاً لاستفزاز دول الخليج. وفي السلبيات على الصعيد الوطني، ان استقالته بعد استقالة شربل وهبه في الخارجية، تفتح المجال على سابقة استقالة او اقالة كل وزير تزعج مواقفه دولة خارجية سواء كانت عربية أو غربية. وفي هذا الاجراء إمعان في ضرب سيادة الدولة المسحوقة أصلاً في الداخل والخارج. وحبذا لو يتنبه منظّرون في الداخل إلى ان نسف مؤسسات الدولة يتجلى اولاً في مصادرة القرار، أو في اتخاذ قرارات من خارج المؤسسات وفرضها على مجمل الحياة الوطنية.
في الايجابيات، ان المطلب يمكن ان يظهر حسن نية ضرورية لعلاقات لبنان الخارجية التي بلغت حد السوء، وفيها ايضا ان يتمكن رئيس الحكومة من الدعوة إلى عقد جلسة بل جلسات لمجلس الوزراء، البلد في أمسّ الحاجة اليها لتسيير أمور المواطنين. وفي الايجابيات ايضاً، اعادة الاعتبار إلى قرداحي شخصياً مزيلاً عنه صورة المتمسك بالموقع على حساب البلد، وايضاً تنزع عنه التهمة بعدم امتلاكه القرار وتحوّله رهينة “حزب الله” يقيله ساعة يشاء وفق مقتضيات المرحلة. وفي الايجابيات ايضاً وايضاً، انه لا يكون خرج عن مشورة البطريرك الماروني ومعظم القيادات المسيحية التي رفعت عنه الغطاء، ومنهم فرنجيه المربك حياله، اذ ان طريق بعبدا لا بد من ان تمرّ بالرياض، كما بعواصم اخرى. وقد تخفف الاستقالة عن فرنجيه مستوى الإحراج داخلياً وخارجياً.
أضف إلى كل ذلك، ان قرداحي وفي موقعه الاعلامي، سيتحول أشبه بالرئيس الاسبق اميل لحود، لا يقصده إلا وفد أو اكثر من جمهور المقاومة، اذ سيتجنب كثيرون التعامل معه وزيراً، وبالتالي لن يحقق أيّ إنجاز.