“عون جاهز لاتفاق الترسيم” وللإمارات دورٌ فيه

سركيس نعوم – النهار

تُفيد مصادر ديبلوماسيّة وثيقة الصلة بملفّ #ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، أنّ المحادثات التي جرت بين رئيس الجمهورية #ميشال عون والخبير الدولي في الطاقة العامل في وزارة الخارجيّة الأميركيّة آموس هوكشتاين، تطرّق في نهايتها إلى موضوع لبناني بحت لا علاقة له بالنفط أو بالغاز، لكن يمكن أن يكون له تأثير غير مباشر على ملفّ الترسيم. التأثير يمكن أن يكون سلبيّاً كما يمكن أن يكون إيجابيّاً. المعلومات التي توافرت لديها عن هذا الأمر تشير إلى أنّ عون قال لهوكشتاين في آخر زيارة له لبيروت “أنا جاهز لأعمل اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، طبعاً بعد نجاحك، أي نجاح بلادك، في ترتيب الأمور بحيث تكون النتيجة في مصلحة الدولتين”. لكنّ عون لمّح بعد ذلك إلى أنّه يريد أو ربّما يتمنّى أن يتمّ ترتيب أوضاع رئيس “التيّار الوطني الحرّ” الذي أسّسه هو، النائب جبران باسيل، مع الولايات المتحدة بعد العقوبات التي فرضتها عليه وزارة خزانتها قبل سنة أو أكثر من سنة. طبعاً لا تمتلك المصادر المذكورة أعلاه معلومات عن الجواب الذي قدّمه هوكشتاين للرئيس أو ربّما لا تريد الخوض فيها. لكنّها امتلكت معلومات مهمّة وإن غير مُفصّلة عن محادثات جرت بين الأخير والسيدة نولند التي تتولّى منصباً رفيعاً في الإدارة الأميركيّة في قصر بعبدا. ملخّصها أنّ الرئيس انتحى جانباً بنولند بعد انتهاء المحادثات الرسميّة، ووجّه إليها أسئلة عدّة عن العقوبات التي فرضتها بلادها على باسيل، ثمّ سألها: “هل صحيح أنّ باسيل مارس الفساد على نحو جعله هدفاً لعقوباتكم؟”. فكان جوابها أنّ الإدارات المعنيّة بهذا الأمر في الولايات المتّحدة ومنها وزارة الخزانة تمتلك إثباتات جديّة وصحيحة على فساده، ولولا ذلك لما كانت فرضت العقوبات عليه. هنا ردّ الرئيس عون قائلاً: “طيّب، أعطونا الوثائق والملفّات التي استندتم إليها لفرض العقوبات عليه التي تُثبت فساده كي ندرسها فإمّا نقتنع بها أو نردّ عليها بالوثائق أيضاً”. فكان جوابها أنّ ذلك غير ممكن بل مستحيل.




هل يكفي قيام الولايات المتّحدة بالاتصالات بين لبنان وإسرائيل تمهيداً لجمعهما معاً في الناقورة “اللبنانية – الدولية” في آن واحد ورعاية مفاوضات بينهما تنتج ترسيماً للحدود البحريّة مقنعاً ومؤمّناً لمصالحهما معاً في مجالي #النفط والغاز؟ لا شكّ في أنّ دورها هذا سيكون بالغ الأهميّة. لكن مُتابعين لهذا الملفّ من عرب وأجانب في آن واحد يعتقدون أنها لن تمانع في مساعدة على هذا الصعيد تقدّمها جهة أو ربّما أكثر من جهة عربيّة تثق هي بها وتثق إسرائيل بها وتثق بها أيضاً دولة لبنان أو بالأحرى إحدى “دوله” الثلاث، فيما تنظر إليها وإلى أميركا في آن واحد “دول” أخرى بعين الشكّ والحذر والخوف وحتّى العداء. المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء تشير إلى أن دولة الإمارات العربيّة المتّحدة تسعى لكي تكون عرّابة الاتفاق على ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل. وتشير أيضاً إلى أنّ دخولها في شراكة نفطيّة وغازيّة مهمّة وواسعة مع إسرائيل وربّما في شراكات أخرى في البحر المتوسّط قد يكون أحد أهدافه التمهيد أو التحضير الجدّي للقيام بدور مساعد لأميركا في التحضير لمفاوضات لبنانيّة – إسرائيليّة حول الترسيم البحري المختلف عليه، بحيث تنتهي إلى نجاح من جرّاء الإعداد الجدّي لها. من أجل ذلك، يضيف المتابعون أنفسهم من عرب وأجانب لهذا الملفّ، فتحت الإمارات العربيّة المتّحدة على الدول العربيّة القادرة على مساعدتها في “دورها اللبناني – الاسرائيلي” بأكثر من طريقة. فهي أرسلت وزير خارجيّتها عبد الله بن زايد آل نهيان إلى سوريا فالتقى رئيسها بشّار الأسد. وأوحت مظاهر الزيارة من حفاوة سوريّة بضيفها ومن حماسة هذا الضيف لزيارته بل من اشتياقه إلى الأسد الذي عبّر عنه بعناق طويل، وأوحى ذلك أنّ الانفتاح الإماراتي من أجل الهدف المذكور أعلاه قد بدأ. كما أنّ وليّ عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زار تركيا أخيراً بعد انقطاع عنها دام سنوات، فضلاً عن أنّ علاقاته وبلادها جيّدة مع مصر من جهة وأميركا من جهة أخرى. وإذا نجح الجهد الكبير والواسع الذي تبذله الإمارات والذي أشار “الموقف هذا النهار” الآن إلى بعض منه فإنّها ستكون قادرة على القيام بدور إيجابي بين لبنان وإسرائيل.

طبعاً لا تنسى الإمارات المملكة العربيّة السعوديّة شقيقتها الكبرى و”زعيمة” مجلس التعاون الخليجي، وشريكتها في الحرب على اليمن أو بالأحرى على حوثيّيه المدعومين من إيران الإسلاميّة. وعلاقة الدولتين الشقيقتين جيّدة عموماً، لكنّ بينهما تباينات عدّة يتعلّق أوّلها بحرب اليمن إذ انتهج كلّ منهما طريقاً خاصّة به أظهرت أن وحدة موقفهما لم تعكس وحدة أهدافهما. تجلّى ذلك في ابتعاد القوّات النظاميّة الإماراتيّة عن شمال اليمن واكتفائها بجنوبه الذي يقاتل الحوثيّين أيضاً، ولكن من أجل استعادة دولة الجنوب التي تأسّست مستقلّة عن اليمن الشمالي وتكوّنت فيها دولة رعاها الاتحاد السوفياتي يوم كان في عزّه وحماها. أمّا التباين الثاني فكان بين موقف المملكة السعوديّة من لبنان المُقاطع له 100 في المئة والمُعاقب له جرّاء مسؤوليّة لا ينكرها رؤساء “دوله” الثلاث والمرجع الأوّل لهم أي “حزب الله” والداعي إلى معاقبته، وموقف الإمارات المؤيّد للسعوديّة ولكن غير المُبالغ في القسوة على لبنان. وقد عبّرت الإمارات عن ذلك، بعد اشتراكها ومعظم دول مجلس التعاون في تنفيذ إجراءات عقابيّة ضدّ لبنان (سحب سفراء وقطع مساعدات ماليّة والتهديد بإجراءات أقسى)، وذلك بإعلانها قبل يومين أنّه لا حظر على سفر اللبنانيّين إليها كما على سفر اللبنانيّين المقيمين فيها إلى بلادهم لبنان لزيارة عائلاتهم وتفقّدها. طبعاً لم تسحب الإمارات سفيرها من لبنان لأنّ مركزه شاغر بل سحبت ديبلوماسيّين أمنيّين احتياطاً. إلّا أنّ الأهمّ من ذلك كلّه هو إفراج الإمارات قبل مدّة عن موقوفين لبنانيّين شيعة يعملون فيها ثمّ إرسالهم إلى لبنان. والأكثر أهميّة سيكون إذا تكلّلت جهود الإمارات بأداء دورٍ مهمّ بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركا بالنجاح سيكون إصدار عفو عن محكومين لبنانيّين شيعة وإخراجهم من سجونهم وإرسالهم أو إبعادهم إلى بلادهم لبنان. وهذه أمور تهمّ “حزب الله” وإيران. وقد سبق هذا النوع من الخطوات انفتاح مبدئي بين أبو ظبي وطهران.