ليس كثيراً أن تبدو تصريحات الرئيس #ميشال عون في قطر، وكأنها تأتي من خارج واقع “الدويلة” اللبنانية العاجزة، أمام فائض قوّة دولة “#حزب الله” التي تمسك بخناق السلطات، فتفرض فراغاً رئاسياً مديداً ينتهي بانتخاب حليفها عون رئيساً، وتشكل الحكومات وتشلّها عن العمل، وتعطّل السلطة القضائية، وتجاهر بالسعي لربط لبنان بالمنظومة الإيرانية، بعدما كانت طهران كرّرت مراراً أنها باتت تحكم بيروت، فلم يردّ أو يعترض أو يعاتب أحد من المسؤولين في “الدولة القوية”، التي غالباً لم تسمع أو ترَ أن “حزب الله” يقاتل في سوريا والعراق واليمن ويشنّ حملة منهجية متواصلة على #السعودية ودول الخليج العربي، ويرعى في مناطقه محطات تلفزيونية للانقلابيين الحوثيين، ثمّ تأتي قشة تصريح وزاري همايوني لتفجّر الأزمة الخانقة مع دول الخليج، التي يقول عون في قطر إن لبنان يريد أطيب العلاقات وأفضلها مع السعودية والدول الخليجية.
ربما استجابةً لهذه الرغبة يوضح أنه لم يطلب من أحد الاستقالة، وأن وزير الإعلام “سيتصرّف على أساس الأفضل للبنان”، وقد أعطى الأفضل للبنان حتى الآن عليم الله، لكن القصّة ليست قصّة ما يريده رئيس أو يصرّح به وزير، إنها تماماً كما وصفها وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان منذ اليوم الأول، عندما قال إنه لا أزمة بين لبنان والسعودية بل الأزمة في لبنان، بمعنى أن الدولة اللبنانية هي المأزومة وقد باتت عاجزة عن حماية علاقاتها مع الدول العربية الخليجية الشقيقة، وحتى عن إلزام “حزب الله” مبدأ “النأي بالنفس” لتحييد لبنان عن أزمات ليس قادراً على تحمّل نتائجها… وهكذا، ما معنى قول عون المتحالف مع الحزب، إن لبنان يريد أطيب العلاقات وأفضلها، عندما تعجز دولته القوية عن التصرّف بما يتلاءم مع هذا؟
هذه واحدة، أمّا الثانية فقد كان من الغريب العجيب، أن تصل الأمور بالرئيس القوي الى درجة تحميل النتائج الطبيعية مسؤولية الأسباب الكارثية، وهو ما يفترض أن يدركه ويتوقعه أيّ مسؤول في الدنيا، ففي حديثه الى صحيفة “الراية” اتهم اللبنانيين البؤساء وتظاهراتهم عام 2019 بالمسؤولية عن تعميق المشكلة الإقتصادية، أي إنه لم يتردّد في تحميل مليون ونصف مليون لبناني جائع وعاطل عن العمل ومنتحر بسبب الفقر، تظاهروا ثائرين على المنظومة السياسية الفاسدة [“كلن يعني كلن”] مسؤولية الأزمة الاقتصادية، ولعله نسي أنه هو أيضاً يحمّلها مسؤولية الفساد وخراب لبنان!
والأدهى قوله إنه يعلم أن مشغّل هذه المجموعات في الخارج وليس في لبنان، متهماً أكثر من نصف الشعب اللبناني بأنهم عملاء للخارج، مع أنه ناقض نفسه بالقول إن هذه المجموعات تفتقر الى قيادة موحّدة ومرجعية واحدة، ولكأنّ العالم كله متآمر على “عهده القويّ”، ورأى أنّه سيصعب على هذه المجموعات الفوز في الانتخابات، التي نسف النائب محمد رعد معناها من منطلق التمسّك بالديموقراطية التوافقية التي تضع الدولة في كفّ قوة التعطيل.
لمزيد من الغرابة يتهم عون “الإهمال الحكومي” بإفشال ما سمّاه “الخطة المثالية المتكاملة” التي وضعها صهره جبران باسيل لحلّ أزمة الكهرباء، التي أفلست الدولة بعدما كبّدتها نصف دينها العام أي أكثر من 43 مليار دولار، وعلى طريقة نظرية “ما خلّونا”، اتّهم سياسيين لم يسمّهم طبعاً بإفشالها، وقال إنهم باتوا معروفين جداً، وهم فعلاً معروفون جداً جداً عند اللبنانيين!
ولكن هل فات عون وهو يقول إن “حزب الله” ملتزم القرار 1701، أن هذا القرار يشمل بنود القرار 1559 الذي يدعو الى حصر السلاح بيد الدولة، وأنه فشل هو في كلّ ما سبق أن دعا إليه حول “الاستراتيجية الدفاعية”؟
الأشد غرابة أنه عندما سئل عن إدراج أستراليا “حزب الله” على لائحة الإرهاب سأل: “وهل قامت أستراليا بهذه الخطوة بقرار ذاتي”؟ ما يمثّل تشكيكاً فيها وضمناً في الولايات المتحدة، ربّما يمهّد لإبعاد اللبنانيين من الدولتين؟