بات المواطن اللبناني حائراً في دنياه. لا يعلم كيف يتعامل مع يومياته والمستجدات التي تربك حياته، وهو لا يفهم من يحكم البلد ومن يمسك بزمامه لاتخاذ القرارات التي يمكن ان تنقذه من جهنم ويحسن نوعية حياته.
رئيس الجمهورية لا يحكم، ويتحدث في كل مرة عن الصلاحيات المنقوصة التي تمنعه من اتخاذ قرارات يردد انه يطمح اليها. ورئيس الحكومة يشعر بأنه يصرّف الاعمال، ولا يقوى على الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، بعدما قرر الثنائي الشيعي شلّ المجلس وتعطيل البلد. ربما يطمح رئيس مجلس النواب إلى فك الاشتباك وتسيير أمور البلد مع شركاء اخرين، لكنه يقف عاجزاً امام تصلب شريكه في الثنائي.
اللجان النيابية تجتمع وتقرر، وربما لا تقرر، وترمي الكرة في ملعب الحكومة لاتخاذ مراسيم تطبيقية لا تصدر، واللجان الوزارية تفرّخ من هنا وهناك من دون نتيجة تنعكس على واقع حياة اللبنانيين العادية.
المفاوضات لترسيم الحدود معطّلة، والتنقيب عن النفط والغاز مؤجل، والعلاقات مع الدول العربية في اسوأ حالاتها. لا قدرة لأي سلطة دستورية على ترميمها، واعادتها الى سابق عزها، طالما ان فريقاً قرر ان يغامر بالبلد وبعلاقاته، بل ان يصادر قراره في السلم والحرب، وفي العلاقات الديبلوماسية، الاخوية خصوصاً.
الاقتصاد اللبناني منهار، والليرة اللبنانية في أدنى انخفاض مقابل الدولار الاميركي وكل العملات الصعبة. ويخرج السيد حسن نصرالله يطالب السلطات باتخاذ اجراءات لضبط اسعار الصرف واسعار السلع. لكنه لا يتحدث عن مسؤولية حزبه في تعطيل حكومة ربما تكون قادرة على لجم الاسعار، ولا عن مسؤولية حزبه في التهريب المفتوح عبر معابر غير شرعية، ما يحرم الدولة مداخيلها، ويجرّ عليها العقوبات.
القضاء معطّل ويخضع لأنواع من الضغوط اثّرت في مساره وفي التعيينات وفي علاقة القضاة بعضهم مع بعض، كما في الملفات المعروضة امامهم، ولا مرجع لهم يحميهم من شر السياسة.
فضيحة الجامعات ستنعكس سلباً على كل القطاع التربوي في البلد، وستضعف دور بيروت كعاصمة للتعليم الجامعي ومقصداً لطلاب من كل الاجناس والجنسيات.
واقع أليم يودي بالبلد الى اسوأ حال في تاريخه، ولا من يعمد الى اي اجراء يخفف الانهيار ويمنع الصدام الكبير. بلد يمضي في عربة لا يقودها احد، بل ربما سائق خفي يعمد الى تعطيل المكابح، لايصال البلد الى جهنم يمكن بعدها اعادة تفصيله على قياس قوى اقليمية متنكراً لتاريخه وانتمائه وحضارته وعروبته وتعدده وتنوعه.