راجح الخوري - النهار

متى غضب يحرق دولة الفساد؟ – راجح خوري – النهار

اقتحام المحتجّين وزارة الشؤون الاجتماعية أمس، ليس أكثر من اشتعال عود ثقاب صغير، لكنه في النهاية يُفترض أن يكون إنذاراً بأن شعلة الغضب المتعاظم عند الشعب اللبناني المدعوس والجائع، ستتحوّل حريقاً كبيراً يأكل دولة الفساد والنهب ويوازي نيران جهنّم، التي سبق أن قال الرئيس ميشال عون إننا ذاهبون إليها، وها نحن في جمرها والرماد.

الوحيد الذي كشف باكراً عن “رؤيته” لمعالجة الأزمة الاقتصادية هو الوزير هكتور حجّار، الذي يتولى في هذه الحكومة الكسيحة، التي لم تستح فسمّت نفسها حكومة إنقاذ، حقيبة الشؤون الاجتماعية، وهي شؤون منسيّة ومدعوسة منذ زمن بعيد في هذا البلد المتعوس، وذلك عندما لم يتردّد في البداية ومع وصوله الى سدّة المعالي، في دعوة اللبنانيين الى التواضع والصبر، وتحمّل ما وصلت إليه أحوالهم من العوز والجوع وحتى الانتحار عجزاً عن شراء منقوشة كما فعل المرحوم ناجي الفليطي، داعياً إيّاهم الى الاقتداء بالصين والتوفير مثلاً باستعمال حفاضات القماش لأطفالهم وإعادة غسلها توفيراً.




أمس قال له المحتجّون الذين اقتحموا الوزارة: ومن أين نشتري مساحيق الغسيل ونجد الماء لغسل الحفاضات، ثمّ تبيّن يومها أن كلامه هرطقة وضحك على الذقون لأن الصين تصدّر أكثر من 150 ألف طن من الحفاضات الصحّية لأطفال العالم.

لن أدخل في تفاصيل كل ما تفضّل به أمس عن سهره واهتمامه بالشؤون الاجتماعية للناس، وعن عمله الدؤوب 24/24 لتأمين الخبز لآلاف العائلات الأكثر فقراً، وعن استراتيجية “البطاقة التمويلية” [هكذا بالحرف استراتيجية] لكنّها لا تعني بالتالي أكثر من سهر دولة معفنة ومهترئة ومنهوبة بمئات مليارات الدولارات، على التسوّل من العالم لإطعام أبنائها الأشدّ فقراً.

وكلّ هذا في وقت يسمع فيه اللبنانيون البؤساء، منذ بداية هذا العهد القوي جداً، وعوداً عن العمل لاستعادة هذه المليارات، لم يتحقق منها شيء، ليبدأ بعد ذلك قرع طبول “التحقيق الجنائي”، ونحن في دولة يقول عون إنّ السياسيين فيها يحمون الفساد لأنهم يستفيدون منه، ولكنّنا منذ خمسة أعوام، لم ولن نجد سياسياً واحداً من عصابة هؤلاء الملائكة وراء القضبان.
يقرعون طبول “التحقيق الجنائي” في بلد يأكله سوس الفساد في كل وزاراته ومجالسه للنهب المقونن، وفي كل الدوائر والمؤسّسات وحتى الوظائف البسيطة، وأخيراً على المستوى الجامعي حيث تبيّن أننا نفتح سوقاً تجارية باعت 36 ألف شهادة دكتوراه لعراقيين وغيرهم وربما لبعض الأمّيين الذين يصنّفون أنفسهم أساتذة جامعيين، ويا للعار!

تحقيق جنائي في دولة لا تعرف كم تبلغ ديونها للقطاع الخاصّ، لكنّها عرفت دائماً قواعد المحاصصة واقتسام قوالب الجبنة تحت الطاولة، دولة جعلوها بمثابة بقرة حلوب، كما سمّاها يوماً الرئيس الياس الهراوي، تتوارثها من أعوام عصابة سياسية متناسلة، دولة لا تعرف عدد موظفيها، الذين يقال إن بينهم أكثر من 35 ألف ميت يتقاضون حتى الآن رواتبهم أسوة بالنوّاب الموتى طبعاً، ويحصلون ربّما على زيادات سنوية وبدل ساعات عمل إضافية وإكراميات وقد يحصلون الآن على بدل انتقال بسبب غلاء البنزين!

“استراتيجية تسوّل تمويلية” قد يكون معظمها للنهب والباقي لإطعام المواطنين الأشد فقراً، ليبقى السؤال الموجع: هل تستطيع هذه الشعوب اللبنانية المنقسمة والمذبوحة بسكاكين الطائفية والمذهبية، أن تحوّل يوماً ثقاب الغضب الذي اشتعل أمس في وزارة الشؤون، مشعلاً يحرق كلّ العصابة السياسية وكلّ فروعها ومشتقاتها في دهاليز الفساد والنهب، كي يصبح لجهنّم معناها العادل والشامل والصحيح؟