عون و”حزب الله” يقيّدان حكومة ميقاتي… أيّ أهداف لجرّ لبنان إلى المعارك الإقليمية؟

ابراهيم حيدر – النهار

بعد إقلاع الحكومة في أول اجتماعاتها، تشهد الملفات الرئيسية صراعاً واضحاً على الصلاحيات ومن يُمسك بالقرار السياسي. الحكومة تريد بالدرجة الأولى الحصول على مساعدات، فيما المجتمع الدولي يشترط وضع خطة للاصلاحات وتطبيقها، وهو موقف تبلّغه رئيس الحكومة #نجيب ميقاتي من الفرنسيين، بأن لا مساعدات ما لم تقدم حكومته على إجراءات اصلاحية جدّية، فيما العامل السياسي لا يزال خلافياً على المستوى الدولي، إذ أن الأمر يتعلق بـ”#حزب الله” بالدرجة الأولى، وكذلك في التحالف القائم بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون.




يتبيّن من خلال المعطيات الأولى أنّ الحصول على المساعدات دونه كثير من الصعوبات. خلاصة الموقف الدولي وفق مصادر ديبلوماسية تشير إلى أن لا مساعدات للبنان من دون حسم مجموعة من الملفات، أولها الإصلاحات التي ترتبط ببعد سياسي لا يبتعد عنه “حزب الله” وأيضاً الطريقة التي سيدار بها التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا الملف الأخير يهتم به الأميركيون ويتابعونه انطلاقاً من أن التفاوض سيتطرق إلى مسألة ضبط الحدود ووقف التهريب، وصولاً إلى مسالة ادخال المحروقات الإيرانية من معابر غير شرعية بين سوريا ولبنان، علماً أن “حزب الله” يعتبر هذا الأمر انجازاً له وكسراً لما يسميه الحصار الأميركي على لبنان.

تتوقف المصادر عند بيان مجلس الأمن الدولي أخيراً، حيث ذكّر بالقرارات الدولية كلها ومنها خصوصا القرارين 1559 و1701، وهذا الامر يعني أن البعد السياسي للموقف الدولي حاضراً وهو مرتبط بـ”حزب الله” وسلاحه، ويفتح أيضاً على ملفات ملحقة أبرزها ترسيم الحدود البحرية والبرية لاحقاً أو الإثنين معاً، فبينما إسرائيل شرعت في التنقيب بتلزيم شركات للحفر في منطقة متنازع عليها مع لبنان، يستعجل لبنان إحياء المفاوضات لوقف التنقيب الإسرائيلي وحماية حقوقه، إلّا أن الخلاف لا يزال مستمراً حول تعديل قانون الحدود البحرية ومن يُمسك بهذا الملف على مستوى المرجعيات، وأيضاً بالتنسيق مع “حزب الله”.

أمام تزاحم الملفات الداخلية اللبنانية والإقليمية، يصنّف المجتمع الدولي حكومة ميقاتي بأنّها حكومة قريبة للممانعة أو أقلّه حكومة يهيمن عليها “حزب الله” بالتحالف مع رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره، وهما ينسقان معاً بالفعل للاستحقاقات المقبلة للحكومة في التفاوض مع صندوق النقد وفي السياسة الخارجية وأيضاً في الانتخابات النيابية المقررة في 27 أذار المقبل. الواقع لا يبتعد كثيراً عن هذه الصورة، فـ”حزب الله” يعتبر أنه انتصر في معركة ما يسميه “كسر الحصار” الأميركي على لبنان، ويريد التقدّم خطوات أكبر للإمساك بمفاصل الدولة كلها، ومن بينها بحسب مصادر سياسية إنهاء سيطرة الأميركيين على بعض أجهزة الدولة. لذا يريد الحزب أن تكون له كلمة الفصل في الملفات المالية والاقتصادية على الرغم من أن هذا الامر يشكل نقطة خلافية مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال مقيداً بالهيمنة القائمة على القرار الحكومي. ويتطلع “حزب الله” وفق المصادر إلى أن يكون مرجعية أولى في المفاوضات الدولية مع لبنان ويتجهز للانخراط في المشاريع وتحديد خريطة المفاوضات مع صندوق النقد، معتبراً أنه لا يجوز أن تُملى على لبنان شروط أميركية من هذا المدخل.

لن يتأخر الوقت طويلاً ليفرض “حزب الله” أجندته على المسار الحكومي، في كل الملفات الشائكة والأساسية. سينتقل الحزب وفق المصادر السياسية إلى مرحلة جديدة وواقع جديد. فبعد دخول صهاريج المازوت يتقدّم خطوات أخرى، مستنداً إلى معادلة أن إسرائيل لا تريد أن يدخل “حزب الله” في معادلة حرب البحار، “وهذا يدل على نقطة الضعف عند الإسرائيلي، وهو ما زاد من قوتنا” وفق رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين في لقاء مع التعبئة التربوية في الحزب، “فإسرائيل تعرف أن صواريخنا تطال إلى أبعد نقطة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي نستطيع أن نمنع أي سفينة من أن تدخل إلى عكا وحيفا وتل أبيب أو إلى أي مكان، فهل تستطيع إسرائيل أن تكمل بهذا الشكل في حال اعتدت على البواخر الإيرانية؟”.

الأخطر وفق كلام صفي الدين، أن الأميركيين يؤثرون في لبنان أمنياً وسياسياً وماليا واقتصادياً، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها، “ولكن نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئا آخر، فنحن لم نخض هذه المعركة، لأننا نعرف ما قدرة تحمل هذا البلد، فأميركا عدو لا تقل عداوة عن إسرائيل، وأحيانا أكثر عداوة منها، ولكن نحن نرى ونسمع ونقدر الموقف إن كان بإمكان اللبنانيين التحمل أم لا”.

يتقدّم “حزب الله” خطوات في مجال السيطرة والهيمنة، ليس على الحكومة وحسب، إنما على الدولة ومؤسساتها. وفي الصراع مع المحور الآخر، يعتبر وفق أجواء مقربة منه أنه صاحب الفضل الاول في تشكيل الحكومة، فدخول المحروقات الإيرانية ومواجهة الاميركيين فتحا الأبواب على التشكيل، لذا سيواصل سطوته مع حلفائه على البلد ليصبح بيد “نهج المقاومة”. ولا مانع لديه من تأجيل الانتخابات النيابية، وفق المصادر، طالما أن “الأميركيين خافوا من أن تؤجل الانتخابات، لأنهم يراهنون عليها، وطموحهم أن يحصلوا على 30 مقعداً من الـ “أن جي أوز” أي من عملاء أميركا ولا يتبعون لأي أحد، كي يصبحوا في مجلس النواب بما يعرف ببيضة القبان”، والكلام لصفي الدين. واذا حُسم موعد الانتخابات سيعمل “حزب الله” وفق المصادر على دعم التيار الوطني الحر وحلفائه في عدد من المناطق بعدما تمكن من تطويع بيئته في مناطقه في شكل شبه كامل.

المشكلة أيضاً أن “حزب الله” يأخذ الحكومة والبلد إلى معركته الإقليمية، فما حققه من “انجازات” في لبنان وسوريا سيغيّر وجه المنطقة بدعم من إيران. لذا يواصل حربه الأمنية مع إسرائيل التي كان أحد فصولها الأخيرة اسقاط الطائرة المسيّرة في ياطر الجنوبية وتبنيه العملية رسمياً، وللقول أنه بات يمتلك أسلحة دفاع جوي قادرة على إسقاط الطائرات. وانطلاقاً من رسم معادلته بالنار، لم يقل كلمته الاخيرة بعد في ملف ترسيم الحدود، لكنه يربط هذا الأمر بمعركته الإقليمية، وهو أمر يضع البلد كله على صفيح ساخن…