للحريرية السياسية وريثان واحدٌ بالدم وآخرٌ بالتجربة والخبرة

سركيس نعوم – النهار

يعتبر أنصار #الحريرية السياسية أن المعبّر عنها منذ استشهاد مؤسِّسها الرئيس رفيق الحريري هو “#تيار المستقبل” الذي أسَّسه قبل تغييبه عن هذه الدنيا بسنوات، وأن الوريث الشرعي لها هو إبنه سعد الذي مارس قيادته لها رسمياً بعد تولّيه رئاسة حكومته الأولى في أعقاب حكومتين أُلّفتا بعد رحيلها ترأّس أولاهما نجيب ميقاتي وكانت مهمتها إجراء الانتخابات النيابية التي اقترب موعدها في حينه. أما ثانيتها فقد ترأّسها الوريث الشرعي لـ”الشهيد” إبنه سعد بقرارٍ من عائلته وربّما بقرار آخر من حليفه وراعيه العربي الأوّل المملكة العربية السعودية وتحديداً عاهلها عبدالله بن عبد العزيز. لكن أنصاراً آخرين وكثيرين للحريرية المذكورة يعتبرون أن الوريث الشرعي لها هو #فؤاد السنيورة رفيق “الشهيد” ليس فقط منذ بداية نشاطه الإعماري والإنمائي والسياسي في لبنان بل قبل ذلك في مسقط الإثنين مدينة صيدا عاصمة الجنوب وفي “حركة القوميين العرب” التي ضمّتهما في أيام شبابهما. دافعهم الى هذا الإعتبار ليس فقط عمل السنيورة عن قرب مع الحريري الأب منذ بدء حياته العامة في البلاد، بل هو ترأّسه الحكومة السياسية الأولى بعد الاغتيال في ظروف داخلية صعبة وبالغة الدقة كما في ظروف إقليمية حرجة أنتجت كلّها وضعاً خطيراً كان أكثره قسوةً وشدّة حرب تموز 2006 التي شنّتها إسرائيل على لبنان، رداً على اختطاف “حزب الله” جنوداً لها من داخل “أرضها” قتلوا لاحقاً في أثناء نقلهم الى الأراضي اللبنانية. في تلك المرحلة اعتبر لبنانيون كثيرون سنّة ومسيحيين ودروزاً وحتى شيعة وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري أن السنيورة أظهر قدرات مهمّة في التفاوض مع أميركا والغرب والأمم المتحدة والدول الصديقة والشقيقة لإنهاء الحرب ولإرساء وضعٍ في البلاد يجنّبها أيّ مغامرة داخلية وأيّ عدوان إسرائيلي. دافعهم الثاني كان الوقوف بصلابة بعد الإشتباك الداخلي الذي حصل بين “الحزب” وبيئته وحليفه الجديد بعد طول جفاء وعداء المسيحي ميشال عون مؤسِّس “التيار الوطني الحر” جرّاء قرار اتخذته حكومته يتعلّق بـ”سلاح الإشارة” لـ”الحزب” اعتبره قادته دليلاً على رغبة في الإفادة من الدعم الدولي والإقليمي للضغط عليه ولتشليحه مكتسباته وإعادتها الى الدولة. طبعاً عادت الأمور الى نصابها “السياسي – العائلي” بعد تلك المرحلة، وبدأ الحريري الوريث ممارسة السياسة على نحو رسمي من السراي الحكومية بعدما كان مارسها شعبياً بعد وفاة والده. الممارستان لم تكونا ناجحتين واستثنائيتين فولدتا عند السنيورة شعوراً بالغبن الشخصي وشعوراً بالخوف ربما على المسيرة السياسية “السيادية” التي أطلقها قتل الحريري الأب، ولا سيما بعدما تسبّب ذلك في إخراج الوجود العسكري السوري قسراً من لبنان بقرار دولي من مجلس الأمن.




باختصار ولأسباب لا يعرفها كلّها كاتب “الموقف هذا النهار” ولا يريد الخوض فيها بدأ الاختلاف بين الوريثين الشرعي بالدم والشرعي بالممارسة والولاء جرّاء الممارسات التي حصلت والتطورات التي أعقبتها وكان أكثرها سلبية انقلاب نجيب ميقاتي بعد تشاورٍ مع “حزب الله” بل قرار منه وقيادات سياسية لبنانية كبرى على رئيس الحكومة #سعد الحريري، فأسقطوها وهو على أهبة دخولة البيت الأبيض أو ربما مكتب الرئيس الأسبق باراك أوباما للبحث معه في أوضاع لبنان. ثم تطوّر الخلاف بعد بدء علاقة سعد و”الحزب” بربط نزاع ثم “بتسوية” غامضة وغير تفصيلية ثبّتها إحتجاز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحريري في الرياض وباضطراره الى الإفراج عنه بعد ضغوط مارسها حلفاءٌ له في مقدمتهم ولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد ورئيس فرنسا ماكرون في آنٍ واحد. كما أضافت إليها متانة مهمة استغلال “حزب الله” وحليفه رئيس الجمهورية عون وآخرين واحتضانهم الحريري العائد من الأسر وإفادتهم الى أقصى حد ممكن من المرارة التي كان يشعر بها من بلاده الثانية أي السعودية. الباقي معروف. ففي الانتخابات النيابية الأخيرة أقصى الوريث الشرعي بالدم أي الحريري الوريث الشرعي بالعمل مع المؤسّس والخبرة والجديّة أي السنيورة عن مجلس النواب. لكن الأخير لم يعمد الى استعمال الأساليب التي أتقنها اللبنانيون من أجل المحافظة على الموقع وإن على حساب الإقتناعات، وأبرزها “نقل البارودة” أي الانتقال الى صف سياسي آخر معادٍ وتقديم فروض الطاعة والولاء له من أجل الاحتفاظ بالموقع أو العودة إليه. لكن السنيورة بحركته وعلاقاته المتينة بالحريرية أركاناً وقادةً وشعبيةً أبقى “حركته السياسية” شغّالة، ولكن في المعسكر نفسه ومع الخارج، وأبقى نفسه حاجةً الى الحريري الإبن والى الحريريين في لبنان ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة بل الخطيرة من تاريخه. فأحيا مع الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام “نادي رؤساء الحكومة السابقين” وأشعر الحريري بحاجته إليه في معركته مع عون وصهره جبران باسيل. لكن الأخير عمل معه وأبقى في الوقت نفسه “ربط النزاع” أو “التسوية” الغامضة مع “حزب الله”، فبقي المرشّح الأفضل له ل#رئاسة الحكومة رغم الضغوطات الكبيرة لحليفه المسيحي عليه “عون وباسيل” كي يتخلّى عن التمسك به.

في اختصار يعتبر قسم كبير من سنّة لبنان ومن مسيحييه أن السنيورة مؤهّل لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة نظراً الى خبرته السياسية المهمة. وربما يشارك بعض الشيعة في ذلك وإن بخفر. لكن صاحب القرار الأقوى والأفعل في البلاد يرفض ذلك لأسباب عدة سياسية أولاً وأخرى لها علاقة بشبهات فساد. “الموقف هذا النهار” لا يدخل في موضوع الفساد تثبيتاً أو نفياً لأنه غير متمكن منه، لكنه يعتقد أنه ليس السبب الأول لاستبعاد السنيورة. إذ لو كان كذلك لكان على صاحب القرار المذكور أن يحاكم أو يضع في السجون أو في البيوت غالبية أعضاء المنظومة السياسية التي تضم حلفاء له وشركاء ومنافسين وأعداء.

ماذا عن عودة تمّام سلام الى رئاسة الحكومة؟