
علي حمادة – النهار
كان لافتاً موقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خلال الكلمة التي وجَّهها في مناسبة “عيد التحرير” في ما يتعلق بالازمة الحكومية، أنه أبقى “محركاته” الحكومية مطفأة، ووزع دعمه للمتصارعَين على الحلبة الحكومية رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف #تشكيل الحكومة سعد الحريري، تاركاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري العناية بملف الوساطات لتشكيل الحكومة. وكان نصرالله بارداً في الشأن الحكومي، لا بل انه أوحى من خلال هذه البرودة، ان ملف تشكيل الحكومة ليس عاجلا، وانه حتى بوصفه الطرف الأقوى على الساحة السياسية والأمنية في لبنان، والممسك في مكان ما بخيوط الأطراف السياسيين كافة، ليس في عجلة من أمره، لرفع الصوت جديا للتعجيل في تشكيل الحكومة. فهل لدى “حزب الله” حسابات أخرى متصلة بالتطورات الإقليمية بما يحيل الملف الحكومي الى مرتبة متدنية من الاهتمام لتوليد حكومة انقاذ سريع؟ ام ان “حزب الله” يرى بعين راضية الى تعاظم حالة الانهيار الشامل التي لا تكلفه عبء التورط فيها في الوقت الراهن، حيث يستمر مَن يستظلون عباءته في التقاتل على جثة ميت في الصراع “السوريالي” الحاصل اليوم؟ وهنا نضيف سؤالا آخر يستدعي التفكير: لماذا يبدو الكل غارقا في صراع على جثة وطن، فيما يبدو الطرف الرئيسي الذي تحمّل الى جانب بقية شركاء الفساد، والتغطية التامة على السلاح غير الشرعي وميليشياه، وكأنه في إجازة عن الاستحقاق الأهم بالنسبة الى مصير اللبنانيين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. الجميع في حالة تصادم، والجميع يتجنب “حزب الله” إما تواطؤا معه، أو خوفا منه، أو استسلاما مجانيا له؟
صحيح ان السيد نصرالله اكد ان ازمة تشكيل الحكومة هي ازمة لبنانية داخلية صرف، وانها لا ترتبط بما يحصل خلف الحدود. لكن اذا صح ان الازمة داخلية محض، فهل يجوز ان تبقى ازمة بين طرفين سياسيين غير قابلة لتدخل حقيقي من “حزب الله” وجميع الأطراف السياسيين الآخرين لوقف هذه المهزلة الحاصلة؟ نحن اول المعترضين على سيطرة “حزب الله” وانسحاق معظم القوى السياسية في الداخل امامه، لكننا ايضا نعترض على مسار تعامله مع الثورة التي قامت ضد ماكينة فساد مخيفة، نهبت البلاد والعباد، وقد هبَّ “حزب الله” للدفاع عنها، ربما لانه اشتم منها رائحة انقلاب على إحكامه السيطرة على البلاد من خلال التركيبة الحالية. ونعترض على ايحاء السيد نصرالله خلال كلمته الأخيرة ان تشكيل الحكومة متروك بلا سقف زمني أمام المتصارعين، بما يجعلنا نستنتج ان ما يحصل من اهتراء شامل لفكرة الدولة، ومؤسساتها، والاقتصاد، والمال ، والاهتزاز الخطير في المجتمع يصب في مكان ما في طاحونة مشروع “حزب الله” الذي لم يتوقف يوما عن منهج تدمير لبنان الذي عرفناه، والعمل على إحلال لبنان آخر يكون فيه اللبنانيون في بيروت كالايرانيين في طهران، او ربما السوريين في دمشق!
ان دور “حزب الله” في لبنان تدميري، لكن دور الطاقم السياسي التقليدي الذي يخوض معارك “دونكيشوتية” لا يقل اثره التدميري عن اثر التدمير المنهجي الذي انتهجه وينتهجه “حزب الله”. وفي النهاية يمكننا القول اليوم ان اللبنانيين لا ينتظرون الكثير من القيادات المتناحرة. انهم ينتظرون حكومة ذات صدقية، تسارع الى بلورة مشروع انقاذ حقيقي، لان ما يحصل يدعو الى الكفر حقاً!