تحت عنوان “الأوليغارشية تتفرج على المجتمع ينهار”، قالت صحيفة “لوفيغارو” إنه مثل وسط بيروت الذي دمره الانفجار، اجتاحت الأزمة الاقتصادية اللبنانيين وأجبرتهم على اللجوء إلى بنوك الطعام أو، إذا استطاعوا، الذهاب إلى المنفى.
وأضافت الصحيفة أنه في الثاني من الشهر الجاري، احتجت شابة ترتدي قناعًا لبنانيًا في بيروت، عند أحد سدود الإطارات التي تشتعل فيها النيران يوميًا في جميع أنحاء البلاد منذ الانهيار الهائل لقيمة الليرة اللبنانية.
شارع بشارة الخوري، أحد الطرق الرئيسية في بيروت، أغلقه عدد قليل من المتظاهرين الذين أحرقوا الإطارات. انتشرت السحب السوداء والهواء المشبع بالدخان. بعد خطوة صغيرة نجد الطريق الرئيسي الذي يربط بين الشرق والغرب، تم إغلاقه منذ أن تجاوزت الليرة اللبنانية عتبة عشرة آلاف ليرة للدولار في بداية شهر مارس الجاري وانخفضت قيمة العملة بنسبة 666 في المئة، وأصبحت هذه الحواجز الوحشية يوميًا في بيروت كما في كل مكان في البلاد.
بعد سبعة أشهر من استقالته، هدد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب في نهاية الأسبوع الماضي، بالامتناع عن تأدية مهام منصبه للضغط على السياسيين لتشكيل حكومة جديدة، لأنه كما قال “لبنان على وشك الانفجار”. ولكن على الرغم من عدم قدرتها على تقديم أي مخرج من الأزمة، إلا أن الأوليغارشية اللبنانية تتمسك بالسلطة في ظل التوقع الأبدي لإعادة تشكيل علاقات القوة الإقليمية. بينما لا تزال المعارضة بعيدة عن تغيير ميزان القوى.
اليوم بيروت لم يعد بإمكانها أن تحصي ندوبها، ولا تزال آثار المباني التي دمرها انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس بادية على جدران ونوافذ بناياتها، بالإضافة إلى تحطم واجهات العرض والنوافذ بسبب الانفجار الناجم عن نترات الأمونيوم، كما تصطف الكتل الخرسانية على امتداد عشرات الأمتار وأسلاكها الشائكة التي تمنع الوصول إلى مبنى البرلمان. باستثناء بعض المبادرات الخاصة، تبدو الآمال في إعادة الإعمار طوباوية. منطقة وسط المدينة أصبحت تشبه منطقة مهجورة، والجدران أضحت موسومة بشعارات المتظاهرين الذين كانوا يأملون في الإطاحة بالسلطة.
المجتمع اللبناني اليوم يشهد تحولا وحشيا وسريعا، تحت تأثير أزمة تزداد حدتها في وقت تكتفي السلطات اللبنانية بالتفرج
ومضت “لوفيغارو” إلى القول إن المجتمع اللبناني اليوم يشهد تحولا وحشيا وسريعا، تحت تأثير أزمة تزداد حدتها في وقت تكتفي السلطات اللبنانية بالتفرج على شعبها دون أن تتحرك. تقاعس اعتبره عامر بساط، المختص في الأزمات المالية والاقتصادية في العالم، “إجرامياً” منذ أن ترأس قسم الأسواق الناشئة في صندوق الاستثمار بلاك روك.
لقد تقلص الاقتصاد اللبناني بنسبة 26 في المئة في عام واحد. هذا ما شهدته الولايات المتحدة خلال خمس سنوات إبان فترة الكساد الكبير. اليوم من الواضح أن المجتمع اللبناني لن يخرج سالماً من صدمة وجودية كهذه. بالإضافة إلى المأزق السياسي الذي تشهد البلاد، يعيش لبنان اضطرابات اجتماعية وديموغرافية كبيرة، مع تفاقم جذري في عدم المساواة في بلد كان بالفعل أحد أكثر الدول تفاوتًا في العالم قبل الأزمة.
فمن ناحية استثمر أصحاب الثراء الفاحش ثرواتهم في الخارج واستمروا في التمتع بنمط حياة متميز، ومن ناحية أخرى يعتمد الفقراء وهم أكثر من نصف السكان على الدعم القادم من خلال الشبكات الخيرية أو العائلية أو الجمعياتية أو الدينية.
وبينهما طبقة وسطى آخذة في الاختفاء، إما لأنها أصبحت أشد فقرا أو لأنها هاجرت. من هنا اقترحت وزارة الاقتصاد أن يحصل 80٪ من اللبنانيين على دخل مباشر لتعويض رفع الدولة لدعم الواردات، لكن لا توجد فرصة تقريبًا لتبنيها هذا الاقتراح، لأنه يستنفذ آخر الأصول بالعملة الأجنبية للاقتصاد اللبناني (بما في ذلك المدخرات المصرفية بالعملة الأجنبية).
الآلاف من الشركات والنشاطات التجارية أغلقت أبوابها وطردت عمالها، الذين وجدوا أنفسهم بدون أي مصدر دخل، واضطر بعضهم إلى التسول لسد حاجات عائلاتهم.
وكدليل على حجم الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان، أثار مقطع فيديو انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي جدلا كبيرا في لبنان، بعد أن أظهر مشادة كلامية وعراكاً بالأيدي، بسبب خلاف حول شراء كميات محددة من أكياس الحليب، في البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة ومن تدهور كبير في سعر الليرة أدى إلى ارتفاع قياسي في الأسعار.
معظم هؤلاء من الفقراء الجدد: موظفو الخدمة المدنية، والمعلمون، والمتقاعدون الذين لم يعد راتبهم المنخفض أو معاشهم التقاعدي يساوي شيئًا، بينما يصادر البنك مدخراتهم.
في غضون أشهر، انخفض الحد الأدنى للأجور في لبنان إلى ما يعادل 67.50 دولارًا من 450 دولارًا قبل الأزمة. وهو مستوى أدنى من مستوى سريلانكا على سبيل المثال، البلد الذي التحق فيه العديد من المواطنين منذ فترة طويلة بصفوف عاملات المنازل اللبنانية.
اليوم كثير ممن يحملون جواز سفر أجنبيًا أخذوا زمام المبادرة ورحلوا خارج لبنان، الكليات والمدارس الثانوية الباريسية لم تتوقف عن الترحيب بالطلاب اللبنانيين الجدد. بينما تستقبل كندا بلا هوادة ملفات الهجرة. وباعوا كل ما لديهم لتمويل هذه الرحلة مع أنهم غير مقتنعين تماما بفكرة إعادة بناء حياتهم مجددا من الصفر.
الإمارات العربية المتحدة هي الوجهة المفضلة لأولئك الذين يمكنهم نقل نشاطهم، لا سيما في قطاع الخدمات والتمويل، وقبل كل شيء للمهنيين الشباب الذين يبحثون عن عمل لائق، بسبب عدم الوصول المباشر إلى الأسواق العالمية.