قبل أيام أقر مجلس النواب اللبناني قانوناً مخصصاً للحصول على اللقاح المضاد لوباء كورونا. إقرار القانون كان الممر الإلزامي للسلطات المعنية كي تتحصل على اللقاح، كون الشركات المصنعة له طالبت برفع المسؤولية عنها في حال سجل أحد متلقي اللقاح عوارض جانبية، لحماية نفسها من الملاحقة القانونية لاحقاً.
توازياً مع هذا الأمر، بدأت تسري شائعات حول تأمين اللقاحات وكيف سيتأمن. طبعاً، الجهات الرسمية تقول إن الاتفاق مع الشركات المصنعة للقاح صار منجزاً، إلا أن الأسئلة التي يطرحها اللبنانيون كثيرة، خاصة أن التجربة مع السلطات في لبنان غير مُشجعة إطلاقاً، خاصة إذا ما استعادوا تعاطيها مع جائحة كورونا منذ ما يُقارب السنة حتى اليوم.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كان قد زار الإمارات العربية المتحدة أكثر من مرة. في زيارته الأخيرة، وفق المعلومات التي حصل عليها موقع “الحرة”، سمع كلاماً إيجابياً حول تأمين لقاحات مجانية للبنان، ومن المعلوم أن الإمارات تعتمد وبدأت بالفعل بحملة التلقيح لمواطنيها وللمقيمين على أراضيها، معتمدة على لقاح سينوفارم الصيني.
اللافت، أن وزير الصحة المنتمي إلى حزب الله، حمد حسن، كان قد عبّر عن رفضه حصول لبنان على لقاح سينوفارم كونه “لم يحصل على ترخيص منظمة الصحة العالمية”، وبالتالي ذلك سيؤثر على “الدعم المالي للبنان والذي سيُقدمه البنك الدولي”، وهو ما وصل إلى مسامع الرئيس الحريري، الذي ظهر مؤخراً بعد استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ليقول إنه سيُكثف جولاته لتأمين اللقاح للبنانيين.
وعلم موقع “الحرة” أن الرئيس الحريري حين علم برفض وزير الصحة فكرة الحصول على اللقاح الصيني، تواصل مع قيادة حزب الله طالباً منها التحدث مع وزيرها في هذا الخصوص، فما كان من الأخير إلا أن تراجع عن قراره بعدم قبول اللقاح الصيني في حال استطاع الحريري تأمينه بالمجان من خلال دولة الإمارات أو مباشرة من الصين، وحاول موقع “الحرة” التواصل مع المحيطين بالرئيس الحريري الذين ردوا بأن “ليس لديهم تعليق” من دون تأكيد أو نفي المعلومات المذكورة حول ما جرى مع الوزير حسن.
كذلك، وفي سياق سياسة الأحزاب اللبنانية الدائمة أثناء الأزمات، يبدو أن القوات اللبنانية أيضاً دخلت على خط محاولة تأمين اللقاح إذ تقول معلومات موقع “الحرة” إن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تواصل مع القيادة الإماراتية عارضاً أن يكون حزبه من يأتي باللقاح كون وزارة الصحة بيد حزب الله، وهو الأمر الذي أدى إلى تأخير الاتفاق مع الإمارات الذي سعى إليه الحريري، إذ طلب جعجع أن يحصل هو أيضاً على اللقاح إذا كان هناك نية بالتعاون مع الحريري وهو ما أدى إلى تباطؤ عملية الوصول إلى اتفاق بعد أن كانت اجتماعات رئيس الحكومة السابق في العاصمة الإمارتية إيجابية جداً، ولم تنف مصادر الحريري أو تؤكد المعلومات مكتفية أيضاً بالقول “لا تعليق” رداً على محاولة موقع “الحرة” الحصول على أجوبة في هذا الخصوص.
وكما “القوات” إن صحت المعلومات، لدى غالبية الفرقاء السياسيين الرغبة بتسجيل انتصارات في هذا الخصوص وتأمين “اللقاح لجماعاتهم”، وهو ما يضعه عضو لجنة “الكورونا” والاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور عيد عازار في إطار الحملات الإعلامية ليس أكثر، ويقول لموقع “الحرة”: “ليس هناك أي مشكلة بتأمين اللقاح، فايزر أو أسترازينكا أو حتى اللقاح الروسي، تأمينهم سهل وكُل ما يحصل ليس سوى محاولات حزبية لكسب شعبية على جاري العادة اللبنانية”.
ويغرق اللبنانيون في متابعة تجاذبات الأحزاب فيما بينها ومن يُسجل نقاطاً أكثر، فمثلاً النائب طوني فرنجية نجل سليمان فرنجية قال في تغريدة متداولة له إنه سيؤمن دواء “إيفرمكتين” المخصص لعلاج “كورونا” كذلك فعل النائب السابق عن “القوات” طوني كرم، وفعلياً لا شيء يدل على أن هذا الدواء ناجع بل الأصح أن عوارضه الجانبية قد تكون خطيرة على من يتناوله.
وبعيداً عن التجاذبات، تتابع لجنة كورنا ومعها لجنة اللقاحات اجتماعاتها وهي ستعقد غداً الخميس اجتماعاً موسعاً تبحث فيه آلية إعطاء اللقاحات وكيف ستتم، ويقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي في حديثه لموقع “الحرة”: “هناك إلى الآن 35 مركزاً سيكون جاهزاً لإعطاء اللقاحات ومن الممكن أن يرتفع العدد حسب الحاجة، وسيبدأ التلقيح بأصحاب الرعاية الصحية والفئات العمرية المتقدمة ومن ثم ننزل شيئاً فشيئاً حسب تقدم عملية التلقيح”.
وعما إذا كان هناك جهات ستأتي باللقاحات من خارج الأطر الرسمية، يرى عراجي أن “أي شخص أو مؤسسة أو حزب سيأتي باللقاح لابد أن يكون توزيعه وإعطائه للمواطنين عبر وزارة الصحة لأنها الوحيدة المخولة والقادرة على تتبع عملية التلقيح وجمع المعلومات الصحيحة حول من أخذ اللقاح ومن لم يتلقاه بعد”، مشيراً إلى أن “التجارب السابقة غير مشجعة في لبنان ولكن إذا بقوا أهل العلم والاختصاص هم من يتابعون العمل فإن الأمور ستمشي بشكل جيد ولكن إذا بدأ التدخل السياسي فهذا يعني أننا لن نكون في وضع نُحسد عليه خاصة وأننا نمر بحالة انهيار في القطاع الصحي غير مسبوقة ونحن بغنى عن مصائب جديدة”.
وفي انتظار اجتماع اللجنة المقبل لتحديد وإقرار خطة واضحة لإعطاء اللقاحات مع تأكيد عراجي أن أولى دفعات اللقاح ستصل في الأسبوع الأول من فبراير المقبل، قال أكثر من مصدر مطلع على سير عمل اللجنة لموقع “الحرة” إن “المشكلة الأساسية تكمن في أن وزارة الصحة ليس لديها القدرة على التلقيح حتى لو بدأت التمارين على التلقيح منذ اليوم، وهو ما سيضع الخطة برمتها تحت الاختبار وتحت خطر الفشل الذريع”.
وبحسب أكثر من طبيب تحدث معهم موقع “الحرة” فإن “لا سبيل أمام الوزارة إلى الاستعانة بالمستشفيات الخاصة وبالمراكز الطبية الكبيرة لكي تستطيع أن تُلبي حاجات المواطنين الذين سيندفعون إلى تلقي اللقاح، وتعودنا في لبنان أن الالتزام غير موجود وبالتالي ستدخل المحسوبيات في عملية التلقيح وهذا ما سيخلق ضغطاً إضافياً، لن يكون بمقدور الوزارة تحمله وحدها”.
وكان في السابق وفي أول أشهر من الجائحة، أن ترفض مثلاِ وزارة الصحة تسجيل المصابين أو إعطاء أسماء المصابين تحت ذريعة “السرية الطبية”، فيما يقول الأطباء إن “إحصاء المصابين كان أولوية ولكن رأينا موظفين نافذين في الوزارة يُسجلون المصابين على الورقة بالأحرف الأولى، وبالتالي لا يُمكن لهذا النهج أن يستطيع مواكبة عملية تلقيح لملايين المواطنين، علماً أن آخر إحصاء يُشير إلى أن في لبنان اليوم 6.9 مليون شخص هو العدد الفعلي للسكان”.
وأعلنت أكثر من مستشفى خاص وجامعي أنهم قادرون على تأمين اللقاح والمشاركة في عملية التطعيم، إلا أن الأمور الآن لا تزال في مراحلها الأولى، في انتظار ما سيأتي في المقبل من الأيام، فيما الأطباء يتوقعون فشلاً جديداً ما لم تُعدل الوزارة من خطتها.
الحرة