«مين إلو نَفس يعيِّد؟ وكيف بَدنا أصلاً نعيش العيد؟ ما حدا مبسوط، خايفين من بكرا، ما في إمكانية مادية نشتري لوازم جَمعِة العيلة، مِتل ما كنّا معَوّدين»، يقول ميلاد الذي اعتاد أن يعيش سنوياً فرحة خاصة بمناسبة عيد إسمه، أي الميلاد بالإضافة إلى رأس السنة؛ وترى زوجته أنّ العيد هذا العام مختلف، فلا يمكن نكران الواقع الذي نعيشه من قلق وعدم استقرار، «بعد شهر بَدّن يرفَعوا الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية والأدوية، ونِحنا قبل ما نوصَل لَهَيدي المرحلة مش قادرين ناكل».
تعيش العائلة المذكورة حالَ الجميع في هذا الوطن، فهل يستسلمون ويفقدون الأمل؟ كيف سيتمكنون من الشعور بالراحة والفرح في هذه الظروف الصعبة؟ هل هذا ممكن؟ ألا يكون ذلك نكراناً وهروباً من الحقيقة؟ من أين يستمدون القوة لمقاومة المشاعر السلبية؟
على رغم شعورنا بالحرمان والحزن، لا بد لنا أن نَعي بأنّ السلبية لا تفيدنا بشيء، بل على العكس تجعلنا حاملين للهَم والغم وناقلينهما للمحيطين، خاصة لمَِن نحب. فنحرم أنفسنا من المتعة في عَيش اللحظة بحد ذاتها، وهي فرحة الأعياد، ما يساعدنا على استرجاع طاقتنا الإيجابية التي نستمدها من الزينة والتحضير للجمعة الروتينية مهما كانت الحلقة ضيقة، مكوّنة من أفراد العائلة الصغيرة. فلو استسلمنا للمشاعر السلبية، لحَملناها بشكل مباشر وغير مباشر إلى المجتمع الذي نعيش به عبر كلماتنا وتأفّفنا، ونظراتنا وحركات أجسادنا، حتى من خلال عدم قيامنا بأيّ عمل أو نشاط.
من ناحية أخرى يميل الإنسان بطبيعته إلى التركيز على ما يحتاج وما حُرِم منه ولا إمكانية لديه للحصول عليه، وغَضّ النظر عمّا وهبَ وامتلَك، ما يحرمه الشعور بالاكتفاء والرضا، ويضعه في حالة من الحزن والإحباط، وقد يؤدي إلى الاكتئاب. فلننظر إلى ما نملك من صحة وعائلة وأمور كثيرة أخرى، كلٌّ بحسب النعَم التي نالها من جمال أو عمل أو سقف يأويه، ولقمة مُغمّسة بالمحبة والحنان، لنشكر الله على أم وأب ووطن، على أخوة وأصدقاء، ولو قدّرنا ما لدينا لوجدنا بأننا نملك فائضاً، فالقناعة كنز لا يفنى.
وعلى رغم المرحلة الصعبة التي نمر بها، لا بد أن نتذكر ضرورة الحفاظ على صحتنا الجسدية والنفسية، من خلال الإبتعاد عن مشاعر القلق والخوف والتوتر والإحباط، المرتبطة بشكل مباشر بالأمراض المزمنة والخطيرة، كأمراض الضغط والشرايين والقلب والسرطان… كذلك فإنّ الضغوطات النفسية لن تفيدنا بشيء، فلنستبدلها بالثقة بأنّ كل أمر صعب نمرّ به لا بد أن ينتهي.
نحن ننصح بالإيجابية والقناعة وتقبّل الأمر الواقع، لكننا لا ندعو من خلال ذلك إلى العَيش بنكران والهروب من الحقائق، بل إلى الإدراك بأنّ الغرق في الأسى والألم لن يفيدنا بشيء، وبأنّ الإستسلام والضعف لن يغيّرا الأمور إلى الأفضل؛ ندعو إلى التمتع بالمرونة، أي القدرة على تحمل المصاعب وتَقبّل الأحداث والإعتراف بأنّ في الحياة أموراً لا نمتلك السلطة والسيطرة عليها، وتبقى خارجة عن إرادتنا، ولا نملك لتغييرها سبيلاً. فلنختبر بذلك قدرتنا على الاستمرار والتحمّل.
بناءً على كل الدوافع التي ذكرناها، لِنقُم ونهتم بزينة العيد بما أوتينا من أغراض من الأعوام الماضية، لِندَع الأغاني والابتسامات تَعمّ بيوتنا وقلوبنا، لنضع برنامجاً للاحتفال بالأعياد بطريقة متواضعة لهذا العام، فليست المظاهر الفخمة شرطاً للفرح.
ساسيليا دومط – الجمهورية