
غسان الحجار – النهار
قد يكون المصرفي الكبير والوزير السابق عدنان القصار مستأهلاً التكريم وليس التعرض له بالإهانة خصوصاً أنه يعاني أوضاعاً صحية حرجة، لكن في الوقت نفسه من غير الممكن إلقاء اللوم على والد حُرم تحويل عشرة آلاف دولار لنجله الذي يدرس في الخارج، وذلك رغم إقرار قانون يتيح له ذلك، علماً ان القانون يثير السخرية، إذ إن عدم إقرار قانون “الكابيتال كونترول” يجعل من عدم القبول بتحويل المبلغ انتهاكاً لحقوق المواطن – المودع، ويستوجب محاكمة المصرف الذي يمتنع عن الأمر، فكيف الحال مع قانون ينظم هذه العملية للطلاب لكنه لا يطبَّق؟!
وإذا كان شخص مثل عدنان القصار تؤدَّى له التحية، ليس فقط في اللقاءات المصرفية والمالية وفي اوساط التجار، بل في كل الامكنة، خصوصا انه شغل ايضا موقعا رسميا فكان وزيرا نظيف الكفّ، ولا يدخل في عِداد الفاسدين، الا انه يمثل تلك الطبقة المسؤولة، بالأصالة أو بالشراكة، عن مصادرة أموال اللبنانيين، والتمييز بينهم في التعامل.
التعرض للقصار لا يستهدف شخصه فقط، فقد لوحق نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي في احد مطاعم الجميزة، ووزير الاقتصاد راوول نعمة في مطعم في الاشرفية، والنائب السابق اميل رحمة في جونية، ولا ننسى ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وزوجته، وغيرهم كثر، فيما لا يجرؤ آخرون على التواجد في مكان عام. وقد جاءت جائحة كورونا لتشكل ذريعة للطبقة السياسية للامتناع عن المشاركة في مناسبات عامة لكيما تتجنب الإحراج والإهانة.
هذا التعرض للأشخاص، بما يمثلون من هذه السلطة التي فقدت صدقيتها واحترام الناس لها، إنما يُظهر الهوة العميقة بين الناس والمسؤولين من رؤساء ووزراء ونواب، وصولا الى المصرفيين، وقد تكون أحوال الأمنيين أفضل بقليل بما لهم من سطوة أمنية وإحاطة تمنع الإقتراب من أماكن وجودهم.
هذه الهوة، اضف اليها سقوط المحرّمات، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي عوّدت الناس على التعبير الذي يتجاوز الحرية الى حد الشتم والتعرض الشخصي، ومقارنة المواطنين مسؤوليهم بآخرين في بلدان متقدمة يخضعون للقضاء ويُعزلون من مواقعهم أو يُجبرون على الاستقالة، باتت تشكل عائقاً أمام قيام المؤسسات، لان الهجوم على الفاسدين، وربما غير الفاسدين أحياناً، بات يضعف المؤسسات ككل، ولا يقتصر على الافراد الذين يشغلون مواقعهم، وفي هذا تدمير ممنهج لكل مقومات الدولة. فالرئاسة صارت مهمّشة وغير مقدَّرة، والرئاستان الثانية والثالثة ايضا في موقع الاتهام أو الاهمال، والقضاء ليس في افضل حال. أما الوزراء والنواب فقد فقدوا كل هيبة، ولم يخسروا فقط كل مهرجانات التبجيل التي كانت تقام لهم في الماضي، بل خسروا أدنى مظاهر الاحترام، ولا يُحسَدون على مواقعهم التي بات أي مواطن عادي، غير وصولي، لا يتمناها.
والأنكى ان هؤلاء أنفسهم يشعرون بالعجز عن القيام بأي إنجاز سوى المبارزات الكلامية، فرئيس الجمهورية لا يطل إلا للشكوى مما آلت اليه الامور، ومن عجزه وافتقاده الصلاحيات التي تخوّله صُنع التغيير. ورئيس الحكومة يشكو من عجز حكومة تصريف الاعمال، فيما لا صلاحية للرئيس المكلف قبل التأليف، والنواب يشعرون انهم وسط حوار طرشان في قاعة المجلس.
خلاصة القول ان التعرض للمسؤولين ليس جريمة، لأنهم تعرّضوا قبلاً للمواطن في حقوقه الاساسية، وحرموه العيش الكريم… فلا يُلام اللبناني المقهور على كل فعل يرتكبه.