خطة بديلة توفق بين خطتي الحكومة والمصارف: تجنّب الهيركات وتوزيع الخسائر وإعادة الثقة بالمصارف

سلوى بعلبكي – النهار

بين خطة الحكومة للإنقاذ المالي التي اطلقتها الحكومة المستقيلة، وبين خطة جمعية مصارف لبنان وللإنعاش المالي، وبعيدا عن التخبط الذي يلف ارقام العجز المالي، تبرز خطة التعافي التي وضعها بنك المشرق للاستثمار (LIBANK) والخبير المالي نيكولا شيخاني كحل وسطي يجمع بين مختلف الأطراف اللبنانية لتصبح بمثابة خريطة طريق تسهل التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية.




تعتمد الخطة التي أعدها شيخاني وLibank على ارقام خسائر البلاد التي قدرتها الحكومة والتي يعتبرها صندوق النقد الدولي أقرب إلى الواقع من تلك التي قدرتها المصارف. كما تعتمد سعر الصرف الذي تعتمده الحكومة لاحتساب الخسائر التراكمية للبلاد أي 3500 ليرة للدولار الواحد. من خلال هذه المعايير، بلغ إجمالي الخسائر الصافية 44 مليار دولار، وهي تشمل تخلف الحكومة عن السداد بقيمة 21 مليار دولار، والخسائر الصافية لمصرف لبنان بقيمة 25 مليار دولار، وخسائر الصافية المصارف بقيمة 7 مليارات دولار.

بناء على ذلك، تهدف الخطة إلى تجنب الهيركات على اموال المودعين، وتوزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، واعادة الثقة والسيولة للقطاع المصرفي تمهيدا لاعداد خطة انقاذية لتحقيق النمو الاقتصادي.

تهدف الخطة الى تقليص الخسائر المرتبطة بالتخلف عن سداد الدين العام بمقدار 18 مليار دولار من خلال إعادة هيكلة سندات الخزينة، ومقايضة السندات التي يحتفظ بها مصرف لبنان بأصول الدولة واسترداد الاموال العامة المنهوبة. كما تهدف الى تقليص خسائر مصرف لبنان من خلال المقايضة المذكورة أعلاه مع الدولة، وعائدات الإصدار النقدي (الفارق بين تكاليف إنتاج وتوزيع العملة، والقيمة الاسمية للعملة). وتتوخى الخطة خفضا بقيمة 9 مليارات دولار من خلال إعادة هيكلة سندات الخزينة بالليرة، وإعادة تقييم القروض المشكوك في تحصيلها وإعادة رسملتها. ويقدر استرداد مردود الفائدة المرتفعة بنحو 7 مليارات دولار، بما يؤدي إلى انخفاض الخسائر بنحو 43 مليار دولار، اذا اخذنا في الاعتبار ان إجمالي الخسائر يقدر بنحو 44 مليار دولار. وهذا يعني استبعاد “الهيركات”.

وإذ يشير شيخاني الى ان اهمية الخطة لا تكمن بأرقامها انما بإجتراح الحلول التي تتضمنها، يلفت انها تلحظ إعادة جدولة الديون بالليرة اللبنانية أولا، بمتوسط ​​استحقاق مدته 15 عاما مع تخفيض أسعار الفائدة إلى 1% أو 2%”. إذ خلال السنوات الخمس الأولى، تمنح فترة سماح يجري خلالها دفع الفائدة المخفضة فقط. وبحسب شيخاني “سيوفر ذلك سيولة كافية لتمويل الإصلاحات الاقتصادية. وعليه، من خلال إعادة هيكلة الدين بالليرة اللبنانية، ينخفض العجز بنحو 30%، ذلك أن خدمة الدين هي بمثابة تكلفة تتكبدها الدولة. وتقترح الخطة كذلك اتباع خطة الحكومة وإعادة جدولة 25% من سندات الأوروبوند (سندات الدين بالعملات الأجنبية) من خلال إصدارات أطول بمعدلات فائدة 1%، مقابل 6% سابقا.

وتاليا، فإنّ المصارف المتيقنة من عدم إفلاسها في غياب الهيركات للديون بالعملة الوطنية، أي بوجود مخاطر منخفضة لإفلاس المصارف– وفي إطار امتلاكها لما نسبته 28% من الدين بالليرة اللبنانية – ستكون أكثر عزما على الالتزام بالتعميم الرقم 532 لمصرف لبنان الصادر في شهر تشرين الثاني 2019 والذي يدعو المؤسسات المصرفية إلى زيادة رأس مالها بنسبة 20%. من المتوقع أن يتجاوز المبلغ التراكمي للمساهمات الجديدة الى 4 مليارات دولار للقطاع بأكمله. وهذه الاموال موجودة لدى المصارف نتيجة توزيعهم للمساهمين ارباحا قدرت بنحو 6 مليارات دولار بين 2016 و2019. وبذلك يكون القطاع المصرفي هو القطاع الذي يتعيّن عليه دعم الاقتصاد في غضون السنوات المقبلة، لذا من الضروري المحافظة عليه، وفق ما يقول شيخاني.

وثمة نقطة أخرى مهمة في هذه الخطة البديلة وهي المقايضة (التبادل) بين سندات الخزينة التي يحتفظ بها مصرف لبنان وأصول الدولة – تستثنى منها سندات الأوروبوند لأنها بالعملات الأجنبية. وهي تشمل أصولا تعادل ما قيمته 20 مليار دولار (14 مليار دولار منها لسندات الخزينة بالليرة، و6 مليارات دولار لدخل الديون في المستقبل). توازيا، تشدد الخطة على ضرورة ان يلحظ الاتفاق ما يسمح للدولة بإعادة شراء الأصول عند “إجراء الإصلاحات الاقتصادية”، بالسعر الحقيقي للأصول، وذلك لاسترداد اصول الدولة الذي هو في النهاية ملك للبنانيين. بما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها إذا تمّ استخدامها من أجل إنعاش البلاد اقتصادياً. كما يصر واضعو الخطة على استقلالية وشفافية مجلس الإدارة الذي سيدير ​​أصول الدولة “يجب أن يتكون من مستقلين ومهنيين غير منتمين سياسيا الى أي جهة سياسية”، بالتعاون مع إدارة صندوق النقد الدولي. هذه المقايضة تسمح بانخفاض ملحوظ في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي قدرتها الحكومة في العام 2019 بنحو 175.6%، وتاليا تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي.

كما توصي الخطة بإستعادة مردود الفائدة التي حصل عليها المودعون، والتي كانت أعلى من معدلات سندات الأوروبوند، والمقدرة بمبلغ 7 مليارات دولار منذ العام 2016، من دون التأثير على رأس المال والفائدة، وأن تكون الفائدة المكتسبة أقل من هذا المعدل. اضافة الى استرداد الأموال المنهوبة عبر اللجوء الى “القانون الرقم 44 لعام 2015 بشأن تبييض الأموال” وبالاستناد إلى عملية “لافا جاتو” التي جرت في البرازيل ومكنت الدولة البرازيلية من استرداد مليارات دولار، من خلال الحبس الوقائي و”تسوية المعاملات ودياً”.

وبما ان اللجوء إلى القضاء يستغرق وقتا ولا يسمح باسترداد مبلغ كبير، تقترح الخطة وقف الاجراءات التي قد تتخذ بحق ناهبي الاموال مقابل إعادة بعض الأموال المسروقة من أجل الحفاظ على سمعتهم، علما ان هذه الأموال لا تقل عن 10 مليارات دولار.

تختلف الخطة المطروحة عن خطة الحكومة من ناحية تقدير الديون المشكوك في تحصيلها. وبناء على هذا الإختلاف، وباعتبار أن الديون المشكوك في تحصيلها تشكل 20% من القروض الممنوحة.

في ما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، تقترح الخطة البديلة اعادة هيكلة القطاع المصرفي واللجوء الى خطة good bank – bad bank ” هدفها اعادة تنظيم وتنظيف الاصول المتعثرة في القطاع المصرفي.

وإذ تقترح الخطة اعادة النظر في السياسة النقدية لتثبيت سعر الصرف، تتطرق الخطة الى حلول للعجز في ميزان المدفوعات من خلال اعتماد خطة نمو اقتصادي تلحظ دعم القطاعات الزراعية والصناعية واعادة تفعيل الاسواق المالية من خلال تفعيل هيئة الاسواق المالية بغية جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الى القطاعات المالية والاقتصادية.