حتى ولو كنا نعيش في حياة لا حياة فيها كما في السابق، إلا أن الحياة تستمرّ. البعض اختار أن يحفر قبره بيده، فانتحر. والبعض فضّل أن ينتصر على مرارة واقعه وينتظر عدالة السماء، فاختار أن يعيش إلى أن “يأخذ الله أمانته”.
حياتنا أمانة سلّمنا إياها الخالق عند الولادة. لم يكن خيارنا لا المكان ولا الزمان ولا أيّ شيء مرتبط بتفاصيل الولادة، ولكن في يوم ما، اكتسبنا حرية الاختيار وحقّ الاختيار. لا “واسطة” عند الله في من سيبقى على قيد الحياة أو لا، ولكن عند الإنسان لحظات ضعف تتمايل به يميناً ويساراً. ألا يكفي هذا الكون تلك الأحداث اللاإرادية التي تتحكّم به، ونحن نسأل الله في كل مرة “ما الذي يجري”، ونتضرّع إليه “الفرج”. ألا يكفي هذا العالم صفقات في الحرب والظلم، خارجة عن قدرة الشعب في التصدّي لسياسات الدول وملفات الزعماء. بلى يكفي! إذاً، على الأقل فليرأف الإنسان بأخيه الإنسان.
نقف يائيسين أمام جوع البشر إلى الانتقام، تحت مسمى “جريمة شرف”، وكأن الشرف يرتبط بالأعضاء التناسلية، أو بالعذرية. هؤلاء أصلاً يفتقدون إلى شرف العقل، أضاعوا بأفعالهم شرف أن يكونوا بشر في مجتمع حضاري، هم سفّاحون أغبياء تخطّوا القانون وجعلوا من الأرض “غابة”.
نقف مذهولين أمام شتى أنواع القتل المتعمّد على تقسيم ميراث أو قطعة أرض؛ جرائم القتل برصاص طائش؛ جرائم القتل داخل العائلة الواحدة؛ و”الله أعلم” كمّ الجرائم التي ترتكب دون تسليط الضوء عليها.
واليوم، مجزرة بشرية، يرتكبها كل مؤمن بأن “كورونا كذبة” أو حتى “خدعة جينية”، ويتابع حياته على أكمل وجه. لو مهما كانت آليتها، هي اليوم حقيقة تتغلغل في العالم أجمع: ترعِب الملايين، تصيب الآلاف وتقتل المئات. ونحن في لبنان، ما نزال “منتغندر” (نمشي بدلال) في شوارع الحياة بكل ثقة غير آبهين بإجراءات الوقاية. إلى ذلك “غير المسؤول والمستهتر” بحياته، دع غيرك يعيش بأمان وسلام. والمضحك المبكي هو إجراءات الحجر الصحي التي تخضع لقوانين “حسب المزاج” وكأننا في جولة “طرّة نقشة”: الإقفال، يتمّ إعلانه بشكل مقسّم على أسابيع، وكأنّنا في سوق تجاري ويقوم بالتخفيضات. حفلات الزفاف، يتمّ السماح بإقامتها للبعض، وطبعاً حسب المحسوبيات ؛ احتفالات بمناسبات خاصة وطنية أو غير وطنية ؛ مأدبات طعام “لناس وناس” وهلمّ جرّ.
هل يعتقد مسؤولنا العزيز بأنّ كورونا تعمل بفعل “الواسطة”، ويمكن رشوتها كي تمتنع من الاقتراب من هذه المناسبة أو تلك؟ بالتأكيد لا، فلتسمح لنا يا أيها المسؤول الكريم، أن تكون الكلمة هنا للعلوم الطبية وأهل الاختصاص: نعم للالتزام التام، ومن قبل الجميع، بإجراءات الوقاية، فلا البلد يحتمل ولا أسرّة المستشفيات قادرة على استيعاب المرضى. حتى لو اقتضى إعادة إغلاق المطار، فليكن ؛ إعادة الحجر الصحي لفترة زمنية والتضحية قليلاً بموسم الصيف، فليكن. نعم هذا الأمر شبه مستحيل في الواقع الحالي، نظراً للانعكاسات الاقتصادية بشكل خاص، ولكن إن الهدف هنا كل ما يصبّ في مصلحة المواطن: محلياً وحتى عالمياً، يصعب أن يكون انضباط الشعب إن لم تتّخذ إجراءات صارمة في هذا الشأن.
وأنت يا أيها الشعب “الجاهل والغبي”، دون التعميم، التزم بإجراءات الوقاية بطريقة ذاتية-شخصية. أفهم أنك فقدت الثقة بتوجيهات الطبقة الحاكمة، ولكن تذكّر بأننا اليوم أمام إجراءات عالمية. لست وحدك من تعاني وإنما العالم أجمع!!
اليوم هذه التعديات الصحية تحتاج إلى ثورة وانتفاضة، للصدّ لهذا “الفلتان” في اللاوعي البشري في مواجهته لكورونا. هذا الفيروس يتربّص في كل مكان، ولا فائدة من معاندته، فلا العضلات تكفي لمواجهته ولا المال يشفع به. المطلوب هو الوقاية ثم الوقاية، فبينما هو “يسرح ويمرح” بشكل متخفّي، فلنحاول عدم الوقوف أمامه بالمرصاد!