
سابين عويس – النهار
اذا كان مجلس الوزراء نجح في قفل ملف خفراء الجمارك عبر اقرار تعيين الناجحين منهم بعد خمسة اعوام من المماطلة، فهو عجز عن اقفال ملف استقالة المدير العام لوزارة المال الان بيفاني، مع ما يستتبعه ذلك من تأثير على الملف الاقتصادي والمالي الذي تولاه بيفاني ان من خلال مساعدة شركة ” لازار” الفرنسية في وضع الخطة الاقتصادية للحكومة، او من خلال المشاركة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول البرنامج المزمع إبرامه معه.
لا تكمن اهمية اثارة هذا الموضوع من باب قبول او عدم قبول استقالة مدير عام، مهم علا شأنه في الادارة العامة، وانما في الخلاف المستجد حول هذه الاستقالة، والذي ابرز الفرز الواضح للسلطة بين الفريق المؤيد لها والفريق الرافض.
والخلاف ليس وليد ساعته، بل نشأ حتى قبل استقالة الرجل، وانعكس سلبا على موقع لبنان التفاوضي، اذ ابرز حجم الانقسام في البلد، والتباينات المرافقة للخطة الحكومية.
فالموضوع المؤجل منذ أسبوعين تقريباً، بسبب تعذر حصول توافق عليه، برز بقوة على طاولة مجلس الوزراء امس، بحيث تعذر مرة جديدة التفاهم عليه. وعكست وزيرة الاعلام منال عبد الصمد لدى تلاوتها المقررات الرسمية مناخ الخلاف من دون ان تذكر تفاصيله. وما حصل ان رئيسي الجمهورية والحكومة متمسكان برفض الاستقالة، فيما يطلب عدد من الوزراء التريث، وهو ما خلصت اليه الجلسة، علماً ان بيفاني، المصر على الاستقالة بدأ يتصرف على قاعدة انه اصبح خارج الادارة، رغم انه يستمر في الوظيفة في اطار تصريف الاعمال في انتظار بت الاستقالة وتعيين بديل منه. فهو لم يعد يشارك في جلسات التفاوض مع الصندوق، ويخرج الى الاعلام، كما حصل قبل يومين في حديثه الى ” الفايننشال تايمز”، مدلياً بآراء ومعطيات لا تلزم وزارته. وهذا ما يطرح السؤال عن سبب تريث الحكومة وعجزها عن اتخاذ القرار في بت الاستقالة، سيما وان المرحلة تتطلب تضافر جهود الادارة والسلطة السياسية من اجل تعبد طريق التفاوض مع المؤسسة الدولية.
والتعامل الرسمي مع استقالة بيفاني لا يختلف عن التعامل مع مسألة تكليف شركة للتدقيق الجنائي المالي في حسابات المصرف المركزي، حيث لا تزال الحكومة عاجزة عن اختيار شركة، ليس بسبب البحث في ارتباطاتها الاسرائيلية، وانما بسبب استمرار الكباش داخل مجلس الوزراء حيال مسألة التدقيق في حد ذاته، علما ان الحكومة كشفت امس عن توجهها الى اجراء تدقيق مماثل في حسابات مؤسسة كهرباء لبنان على ما أعلنت عبد الصمد عقب الجلسة.
وهي الحال عينها في معالجة ازمة الفيول. فرغم ان هذا الموضوع ورغم الحاحه في ظل النقص الحاصل في تأمين المادة والصعوبات التي تواجه الدولة في فتح الاعتمادات للاستيراد، فإن هذا الموضوع لم يطرح على طاولة مجلس الوزراء امس، وبقي في عهدة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم، الموفد باسم رئيس الجمهورية الى الكويت لإجراء محادثات حول امكان تأمين توقيع عقود من دولة الى دولة. وجاءت زيارة ابرهيم الى الكويت في هذا السياق، بعدما تبلغت الحكومة اللبنانية من شركة “سوناطراك” الجزائرية عدم رغبتها بتجديد العقد مع لبنان والذي ينتهي بنهاية السنة الجارية.
وعلى اهمية انفتاح لبنان على الكويت في ظل المقاطعة العربية التي يشهدها، فإن ثمة مفارقات يمكن تسجيلها حيال مبادرة رئيس الجمهورية من شأنها ان تطرح علامات استفهام حول النتائج المتوخاة من المبادرة.
■ فرئيس الجمهورية استعاض عن التخاطب مع الكويت من دولة الى دولة، عبر موفد رئاسي، غالباً ما تركزت مهماته على الجانب الامني، ولا سيما مع دولة مثل الكويت، عانت من ملف خلية العبدلي قبل اعوام، وهو ملف لم يطو نهائياً بعد بالنسبة الى الجانب الكويتي.
■ ان توجه لبنان الى الكويت طلباً لتوريد الفيول من دولة الى دولة، وليس عبر وسطاء وشركات خاصة، ليس أمراً جديداً، ويجب الا يُسقط ان استيراد لبنان للفيول من الكويت يتم من دولة الى دولة منذ العام ٢٠٠٦، وتحديداً من خلال اتفاق أثمرته زيارة وفد لبناني برئاسة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة وضم في حينها وزير الطاقة محمد فنيش، برعاية امير الكويت، من خلال الشركة الحكومية “KPC” ومنذ ذلك التاريخ، يستورد لبنان مباشرة ما يقارب ٥٠٠ الف طن متري من الفيول، عبر تسهيلات بالدفع تمتد لمدة ستة اشهر. وكان رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وجه في آب ٢٠٠٤، كتاباً الى رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد الصباح طالبا فيه المساعدة من اجل توقيع اتفاقية بين الحكومة اللبنانية والحكومة الكويتية من دون وسطاء من اجل شراء كمية من مادة الفيول اويل والديزل لزوم مؤسسة كهرباء لبنان.
■ تبدي دولة الكويت استعدادا للاستمرار في الاتفاقية، او في اي برنامج دعم وانما من خلال الصندوق الكويتي للتنمية. ولكن الكويت لن تخرج عن الموقف العربي حيال لبنان، وبالتالي، لا يمكن للبنان ان يعول على اي دعم ما لم يلتزم النأي عن صراعات المنطقة والتدخلات الحاصلة في شؤونها.