رياض سلامة: يهاجمونه وينتقدون سياسته… وينفذونها؟

سابين عويس – النهار

قبل أيام، كُشف عن اجتماع عُقد بين رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بتمنٍ ونصيحة من رئيس مجلس النواب نبيه بري. ونُقل عن حصيلة الاجتماع، تفاهم على خفض سعر صرف الدولار الاميركي في السوق، وذلك بناء على طلب من باسيل ان يتدخل المصرف المركزي لدعم الليرة.




لم يصدر أي نفي للقاء، ما يعني انه حصل، بل بدأ الدولار يسجل تراجعاً، ما يشي بأن الحاكم ربما نزل عند طلب باسيل وتدخل في السوق، علماً ان اسباب اخرى ساهمت في تراجع السعر اهمها وضع آلية استيراد جديدة بسعر مدعوم، فضلاً عن دخول اموال الى البلد عبر اللبنانيين والمغتربين العائدين عبر مطار رفيق الحريري الدولي؟.

بقطع النظر عن صلاحيات طلب باسيل، وهو لم تعد لديه أي صفة رسمية، باستثناء كونه يترأس تكتلاً نيايباً واسعاً، في دعوة سلامة الى التدخل في السوق، ثمة اسئلة كثيرة يطرحها واقع اعادة تسليم سلامة زمام المبادرة والحل، وهو المتهم بتبذير اموال المودعين وتنفيذ هندسات مالية ادت الى تسجيل خسائر فادحة على المصرف المركزي، فضلاً عن اتهامات اخرى كالها له رئيس الحكومة حسان دياب، محملاً اياه مسؤولية “التدهور المريب”.

قبل بضعة اسابيع، وتحديدا في الرابع والعشرين من نيسان الماضي، وعقب جلسة لمجلس الوزراء، وبعدما وصل سعر الدولار الى مستوى 4 الاف ليرة، شن رئيس الحكومة هجوماً حاداً على حاكم المركزي، متحدثاً عن غموض في ادائه، متحدثاً عن “فجوات كبرى في مصرف لبنان، فجوة في الأداء وفجوة في الإستراتيجيات وفجوة في الصراحة والوضوح وفجوة في السياسة النقدية وفجوة في الحسابات”، كاشفاً عن تكليف شركة تدقيق دولية للتحقيق في حسابات المصرف.

لم يكن دياب وحيداً في الهجوم على سلامة، بل شُنت حملة مركزة عليه هدفت الى اقالته. حتى ان الموضوع طُرح على طاولة مجلس الوزراء. وكان الاستناد على قانون النقد والتسليف، ولا سيما المادة 19 التي تجيز الاقالة في حالات اربعة، اما العجز الصحي، وهي ليست حال سلامة، واما الإخلال بواجبات الوظيفة بحسب قانون العقوبات، في المواد التي تتحدّث عن صرف النفوذ، استثمار الوظيفة، إساءة استعمال السلطة، الإخلال بواجبات الوظيفة.

او لارتكابه خطأ فادح بتسيير الأعمال. وجاء قرار تكليف شركة تدقيق، فضلا عن تقديم دعاوى متفرقة في حق سلامة، لتحضير الارضية الصالحة للنيل من الرجل، علماً ان مجلس الوزراء لا يزال متمسكاً بتكليف شركة تحقيق جنائي محاسبي في ميزانيات المركزي، ما يجعل السيف مسلطاً في شكل دائم فوق رأي الحاكم.

امام هذا الواقع، سُحب من يد سلامة أي قرار. وتم تجميد كل النفقات والمصاريف العائدة للمركزي، حتى تلك الموقعة سابقاً من الحاكم. وكانت الحجة الابرز ان المركزي يفرط بأموال المودعين.

لم تقف الاتهامات لسلامة عند هذا الحد، إذ اعتبر المعارضون ان سياسة المركزي بتمويل الدولة كانت خطأ. وكان عليه ان يدق ناقوس الخطر ويعلم السلطات بمخاطر الاستمرار في هذه السياسة. كذلك الامر بالنسبة الى سياسة تثبيت النقد.

وفي غياب التفاهم بين اركان السلطة على البديل، حدَت الحكومة من صلاحيات الحاكم. وتفردت بوضع خطة اقتصادية مالية اعدتها شركة “لازارد” بالتعاون مع عدد من المستشارين. اقرت في الخطة سعراً مرنا للعملة على اساس 3500 ليرة. لكن الدولار، ومنذ اقرار تلك الخطة، وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، سجل اشواطاً من الارتفاعات غير المسبوقة اوصلته الى مستوى 10 الاف ليرة، في ظل قرار حكومي بعدم التدخل في السوق.

بلوغ الدولار هذه المستويات وسط توقعات بأن يتجاوزه بأربعة اضعاف، وتعثر المفاوضات مع الصندوق في ظل فشل الحكومة بالسير بأي اجراء اصلاحي جدي، دفع المنتقدين، والمهاجمين وفي مقدمهم دياب وباسيل الى الجلوس مجدداً مع الحاكم والاتكال عليه في امرين لا قابل للحكومة بالتخلي عنهما: تمويل الدولة والدفاع عن الليرة.

يلبي سلامة طلبات الحكومة بالتمويل على جاري عادته على مدى الحكومات السابقة المتعاقبة، وربما يتدخل داعما لليرة للجم انهيارها المتسارع، وانما بكلفة باتت اعلى اليوم. ثمة هنا من وجه اليه نصيحة بتوثيق طلب الحكومة بكتاب رسمي، يرفع عنه مسؤولية ما تم اتهامه به على مدى عقدين من وجوده على رأس الحاكمية.

حتماً هو لن يفعل، مستندا الى انه يقوم بتنفيذ سياسات الحكومة، كما فعل دائماً، غافلا ان كلفة التمويل ودعم الليرة اصبحت اكثر خطورة على احتياطاته المتبقية مما تبقى من اموال المودعين، سيما مع ما سيعنيه ذلك اليوم، وبعد التخبط الحكومي وغياب الرؤية والاستراتيجية الواضحة والثابتة لمسار الخروج من الانهيار والسير نحو التعافي، من عودة الى المربع الاول للأزمة والتسليم بسياسات الحاكم، ولكن الاهم والاخطر، استنفاد ما تبقى من احتياطات المركزي، ولعل هذا ما جعل التوقعات تذهب نحو اقسى درجات التشاؤم، رغم ملامح انفراجات تسعى الحكومة الى اشاعتها عبر كلام عن ودائع قطرية وكويتية، وفيول عراقي وبواخر ايرانية!