
أحمد عياش – النهار
وسط انسداد الأفق أمام حوار وطني حقيقي لمواجهة هذا الانهيار الذي يتواصل لبنانياً على كل الصعد، كان لا بد من ملء هذا الفراغ القاتل في صنع قرارات الإنقاذ على مستوى الحكم والحكومة ومجلس النواب. وفي هذا الإطار، تداعى بعيداً من الاضواء عدد من الشخصيات السياسية والاعلامية من تجاهات عدة وفي مقدمهم شخصيات شيعية، وأصدروا بياناً حصلت عليه “النهار” حمل عنوان “نصائح الى السيد حسن نصرالله”، مساهمة في الحوار الموضوعي المطلوب الآن بإلحاح.
قبل عرض البيان، رأى وزير شيعي سابق شارك في لقاء هذه الشخصيات، ان المواقف المهمة التي يطل بها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يمكن اعتبارها جرس إنذار لا بد للمسؤولين من الاستماع اليه ملياً قبل فوات الاوان. وتوقف المصدر عند ما أعلنه البطريرك بشأن “اللقاء الوطني” الذي عقد في القصر الجمهوري في الخامس والعشرين من حزيران الحالي، فقال إن هذا الموقف هو الاكثر صراحة والذي يصدر عن مرجعية وطنية كبرى تمثلها بكركي. وليس قليلاً ان يربط البطريرك بين اللقاء الذي “زاد بكل أسف في الانقسام السياسي الداخلي” على حد وصف البطريرك، وبين “التراجع الاقتصادي، وفلتان الدولار، ورفع عدد الفقراء والعائلات المعدمة”. والكلام ما زال للبطريرك الراعي.
في موازاة موضوع “اللقاء الوطني”، كان لافتاً ومميزاً موقف سيد بكركي من الحرب التي شنّها قاض وتلقفها “حزب الله” على سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في لبنان دوروثي شاي، عندما قال: “لقد أسفنا جداً لأن يصدر في الأمس حكم قضائي مستغرب يمنع شخصية دبلوماسية تمثل دولة عظمى من حق التعبير عن الرأي، ويمنع جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من إجراء أي مقابلة معها أو أي حديث لمدة سنة، كما أسفنا واستغربنا أن يصدر في يوم عطلة وخلافاً للأصول القانونية، مشوهاً هكذا صورة القضاء اللبناني، ومخالفا للدستور، وناقضاً المعاهدات الدولية والاتفاقيات الدبلوماسية. فاقتضى الاستنكار وتوجب التصويب”.
ويخلص الوزير السابق الى القول إن ما قاله البطريرك الراعي هو لسان حال الاكثرية الساحقة من اللبنانيين، ومن بينهم اصحاب البيان الذين يريدون اليوم ان يصل مضمون البيان وليس أسماء اصحابه الى أسماع الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي صار محور المساءلة عن كل ما يجري في لبنان حالياً.
يقول البيان مخاطباً نصرالله:
“أولاً: عليك الابتعاد عن الملف الاقتصادي-المالي وترك هذا الملف لاختصاصيين مستقلين وليس ضمن نفوذ المليشيات. وابرز مثال على الفشل في الملف المالي هو الإصرار على عدم التفاوض مع صندوق النقد الدولي ثم العودة عن هذا الموقف بعد ثمانين يوماً. والذي حصل في هذه الأيام الضائعة، هو أن الدولار قفز من 1800 الى 4500 ليرة. وعندما تبيّن لسوق سعر صرف الدولار ان القرار المالي يقع تحت نفوذ من ليس له باع ، قفز الى 5 آلاف ثم الى 7 الاف ليرة. ان الشعب اللبناني يطالبكم باعتزال هذا الملف نهائياً.
ثانيا: صحيح انكم تملكون فن الخطابة والبلاغة، إلا ان عالم المال هو عالم ارقام وحسابات. ومثلما أن عالم الصواريخ الدقيقة، هو عالم حسابات وارقام، فليس من المؤكد ان صاحب الصاروخ يملك القدرات المطلوبة في عالم الارقام والحسابات. لذلك يطلب منكم الشعب اللبناني اعتزال الشاشة لأن هذه الخطابات المطوّلة تؤدي الى ارتكاب الكثير من الهفوات والاخطاء واحياناً بشكل فاضح، ثم ان الجمهور ولو كان “ممانعاً” لا يريد الجلوس أمام الشاشة لسماع كلام منمط ومكرر وهو يفضل مع الأسف مشاهدة مسلسلات تركية مدبلجة وباللهجة الشامية الفاخرة. جوهر النصيحة لك، هو إعتماد صفحة في “تويتر” يديرها احد معاونيك لتنقل رسائلك دون تطويل ممل ودون أخطاء ترقى الى مستوى الورطات.
ثالثاً: الأمل كبير في عدم التذاكي في عرض “القدرات الصاروخية” لأن هذا العرض قد يؤدي الى مواجهات ثم الى حرب شاملة تقلب الاوضاع في لبنان ومن ثم سوريا الى فوضى شاملة إضافة الى دمار العمران. والفوضى ستعني أولاً تقسيم سوريا، وثانياً إلغاء الكيان اللبناني مع هجرة كثيفة للمسيحيين اللبنانيين قبل غيرهم من ضحايا “لو كنت أعلم”.
رابعاً: يبدو أن اول الضحايا الثانويين لـ “قانون قيصر” وعقوباته هو “تفاهم” مار مخايل. فالحلفاء المستفيدون من هذا “التفاهم” بدأوا يتحسسون رقابهم. والاهم ان البيئة او الجمهور الواسع بدأ بالتملص من هذا “التفاهم” وهو يرى نتائجه على أرض الواقع انهياراً اقتصادياً ومالياً مع عجز عن الحلول ووعد بأخذ لبنان الى حرب كبرى تحت شعار “سنقتلك سنقتلك سنقتلك”. هذا الشعار غير الموفق، مع الشعار الاسوأ “شيعة شيعة شيعة”، دفع بيئة الحلفاء الى طرح الفيدرالية لترفع عن كاهلها معضلة السلاح غير الشرعي ومعضلة المساكنة مع الشعارين السابقين أي الحرب مع الخارج مع الحرب في الداخل.
خامساً: النصيحة التالية، هي ان تذهب الى هذه البيئة وان تذهب الى غيرها من جمهور بدأ يتلمس الجوع والعوز والفقر المدقع بقرار فاضح وصريح وهو ان صواريخك صارت ضمن ترسانة الجيش اللبناني أي مرجعية الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية في قرار الحرب والسلم. من دون ذلك، سنشهد انهيار الثقة والصدقية كما سنشهد انهيار بيئة الحلفاء كذلك سنشهد تطرفاً في طروحات الفيدرالية والتقسيم وربما العودة الى طرح “لبنان المفيد” بدلا من لبنان الكبير.
سادساً: “قانون قيصر” ليس معدّاً للإطاحة ببشار الاسد. فالأميركيون لا يهمهم الاسد، والاسرائيليون يعتبرون نظامه “أفضل الموجود” كضمان للأمن والحدود. إن من سيطيح بالأسد هو بوتين لأن الاسد صار عائقاً كبيراً أمام إعادة إعمار سوريا الذي يعتبره الرئيس الروسي انتصاراً لسياسته وهو حالياً على مستوى متدن من الشعبية، فالمزاج الروسي ينظر بسلبية الى الدور الروسي في سوريا ويبدو ان صورة الاسد صارت عاملاً مهماً في تآكل صورة بوتين. النصيحة احمِ صورتك وبيئتك من صورة بشار الاسد”.
هل ستصل هذه النصائح إلى غايتها، أم تضيع على طريق الاتهامات المسبقة؟ الجواب آت في ظروف بات الوقت فيها ضيقاً جداً.