”حزب الله” ينقل المعركة إلى مستوى آخر

روزانا بومنصف – النهار

يخشى ان يكون دخل لبنان مع القرار الذي اصدره قاضي الامور المستعجلة في صور محمد مازح منعا للسفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا من التحدث لمدة سنة ومنعا للاعلام في لبنان من نقل اي موقف لها مرحلة جديدة من التصعيد والفوضى والتخبط. فهناك الاهداف المعلنة لكن هناك ايضا اشاحة الانظار عن طوابير الناس المحتشدين امام الافران من بعلبك الى صور فصيدا والنبطية طلبا لربطة خبز. وترى مصادر ديبلوماسية ان “حزب الله” الذي ايد بوضوح موقف القاضي هو في مأزق اقتصادي فعلي بنسبة تصل الى اكثر من 110 في المئة وفي مأزق سياسي يدفع به الى اخذ الامور الى مكان اخر. ومع ان هناك استحقاقا كبيراً اقليمياً يتمثل في نية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضم اجزاء من الضفة الغربية وغور الاردن في تموز المقبل كان يتوقع ل” حزب الله” ان يجيش جمهوره واللبنانيين من اجله، فان كل الضجة التي يثيرها ضم الحكومة الاسرائيلية للمستوطنات في الضفة الغربية سواء في شكل جزئي او كلي كانت كبيرة جدا في بعض العواصم المؤثرة. ولكن كان لافتا غيابها عن ادبيات الحزب وايران في هذه المرحلة على نحو يظهر اولويات وهموما اخرى اكثر اهمية بالنسبة الى الحزب. اذ ان هذا التطور بالغ الخطورة بحيث يتوجه وزير الخارجية ناصيف حتي الى الاردن الخميس المقبل للقاء نظيره الاردني حول الموضوع في الوقت الذي لا يخفي الاردن قلقا كبيراً على خلفية انه سواء قامت الحكومة الاسرائيلية بهذا الاجراء راهنا وقبيل اشهر قليلة من انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب والتحسب لاحتمال انتخاب المرشح الديموقراطي جو بايدن او تم ارجاؤه نتيجة ضغوط اميركية واوروبية وحتى عربية، يخشى ان الورقة باتت على الطاولة بحيث يتم تنفيذها في الوقت المناسب. وهذا امر ينذر بتداعيات خطيرة معطوفا على مخاوف من ان يصب في مصلحة القوى الراديكالية او ان يتوافر سيناريو اخر امام اسرائيل يمكن ان توجه من خلاله رسائل عبر الجنوب اللبناني. وهو امر لا تسقطه مصادر ديبلوماسية من حيث وجوب الا يثير هلعا بل قلقا من ان الامور لا تسير وفق ما يعتقد على قاعدة اعتبارات معينة. والحزب الذي يجد نفسه في موقع صعب اقتصاديا وسياسيا بات يفتقد الى ورقة استنهاض جمهوره لمسألة سياسية تخص فلسطين متى كانت بيئته من الطائفة الشيعية تعاني كما الشعب اللبناني في تأمين ربطة الخبز. وتاليا اظهر “حزب الله” عبر تحفيزه صدور قرار قضائي من محكمة لا صلاحية لها مكانيا او قانونيا ودعمه في الشارع عبر تظاهرات في الضاحية وعبر رفده بتأييد من نوابه وتجمع المحامين في الحزب ان الموقف الاميركي منه بات يفعل فعله لدى بيئته التي اصابها ما اصاب اللبنانيين من جوع وعوز مع تحميل الجانب الاميركي الحزب ما وصل اليه لبنان من “دويلة” الحزب والتي يوافقها عليه فئات وطوائف لبنانية غالبة.




غالبية التعليقات الرافضة لقرار القاضي مازح اعتبرته يستهدف الحكومة اللبنانية المستكينة الى التوصيف الاميركي للحزب وعدم تولي وزارة الخارجية ابلاغ السفيرة شيا الاعتراض على مواقف تعتبر خرقا لاعراف وقواعد اتفاق فيينا بما انه يطاول فريقا لبنانيا. وهو ما اخذته الخارجية على عاتقها تنفيسا للاحتقان ومحاولة اقفال الموضوع علما ان موقفها حمل مسبقا موقفا تقريعيا للسفيرة شيا من غير المحتمل بل مستبعد تماما ان يقوم به وزير الخارجية. بل ان موقفه يرجح ان يختصر بكلمتين ليس الا بناء على ما هو حاصل كما جرى مع السفير الالماني حين اعلنت بلاده حظر “حزب الله” في المانيا ووجد هذا الاخير ضرورة اعتراض لبنان الرسمي على ذلك. وذلك علما ان وزير الخارجية مايك بومبيو حين زار لبنان اخيرا قال كل الموقف المتعلق بالحزب صراحة ومن دون قفازات من مبنى بسترس. القرار القضائي وجه انذارا صريحا الى الاعلام في لبنان مرفوضاً كلياً منه ومن افرقاء سياسيين كثر لكن الرسالة تلقفتها الخارجية الاميركية كما السفارة الاميركية ازاء خنق حرية التعبير في لبنان بحيث يعتقد ان الديبلوماسية الاميركية التي لن تصمت بناء على ضغط الحزب لكن يخشى انها قد تكون ملزمة ان تأخذ في الاعتبار مصلحة الاعلام اللبناني الذي يتم تهديده عبر القضاء ظاهرا على الاقل حتى الان. والمغزى في كل ما حصل ان الحزب يوجه رسائل الى الاميركيين عن قدرته على قلب الاوضاع في لبنان رأسا على عقب ازاء الضغط الذي يشعر به مع ايران والنظام السوري في ظل الكباش الحاصل قبيل الانتخابات الاميركية ولا يهم ما يستخدم من اجل ذلك اكان الشعب اللبناني او لبنان ككل بكل مؤسساته او المزيد من الانقسامات والشرذمة التي تهز الاستقرار، وعلى قاعدة انه اقوى ميدانيا في لبنان من الولايات المتحدة. اذ ان هذا الضغط يفترض ان يحمله على التنازل من اجل تنفيس الوضع الداخلي كونه يسيطر عليه وهذا سيكون اما عبر تغيير حكومي او انتخابات نيابية مبكرة تليها انتخابات رئاسية او عبر الجلوس على الطاولة لحل مسألة الحدود البحرية. وهذا كله مرفوض من الحزب وايران قبل موعد الانتخابات الاميركية فيما ان لبنان لن يصمد حتى هذا الموعد في ظل الانهيار. وهذا امر واقعي تعرفه الولايات المتحدة من دون شك كما يعرفه اللبنانيون الذين عايشوا مراحل تفجيرية بكل ما للكلمة من معنى واستخدم فيها لبنان بكل اوجهه مطية لتوجيه الرسائل بغض النظر عن التداعيات والاضرار والضحايا فتركت الولايات المتحدة لبنان لمصيره في محطات كثيرة مماثلة. ومن تابع حديث الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله لا ينسى تهديده بانه” سنقتلكم” التي كررها ثلاث مرات والتي حملت اكثر من تفسير في اكثر من اتجاه في موازاة نظرية اللجوء الى الشرق للاستنجاد به.