أين ضيَّعتم لبنان؟ – الياس الديري – النهار

لا يستطيع اللبنانيّون التعامل مع التصرُّفات الرسميّة غير المسؤولة، وكأنّ لبنان في عالم آخر، أو في وضع سياسي لا علاقة له لا بالنظام الديموقراطي البرلماني، ولا بالمستوى الفائق التميّز الذي كان لهذا اللبنان على مختلف الصعد، ولا سيّما بالنسبة إلى الحريّات العامّة، والدور الديموقراطي للشعب اللبناني، خصوصاً بالنسبة إلى الطُلّاب والطالبات والأجيال التي كانت صاعدة، والتي تُحاول أن تبقى مُتمسِّكة بلبنانها، إلّا أنّ “الانهيارات” المُتواصلة من كل حدب وصوب لم تعد مُشجِّعة إلّا على اللّحاق بالذين أقلعوا. صار السفر هو الهدف، وهو الهديّة، وهو الأمل، انتزع لبنان ولم يعد ما كان في ذلك الزمان.

الكلام العادي عن الوضع اللبناني لم يعد له مكان. لقد اعتاد اللبنانيّون أن تهبَّ الدول الكبرى، والدول الشقيقة كما الصديقة، حين يدبُّ لبنان الصوت.




وفي تجارب وأحداث مُتعدِّدة نتلمّس الآن عبر مراجعة لما كان لبنان يُلاقيه من الأصدقاء والأشقّاء، ولما هو حاله اليوم، وكأنَّه مقطوع من جناح شيحة، لا أبَ لهُ يسأم.

حتّى الدول الأوروبيّة التي كانت صديقة لا يسمع اللبنانيّون لها صوتاً، ولا يرون موفداً، ولا يخسر عليه صديق قديم مجرّد اتصال هاتفي. كأنّما كل ما كان بين ذاك اللبنان والدول العظمى كان مُجرّد أحلام، أو أوهام عبرت مع أيّام جرفتها التطوّرات السيّئة وجعلتها كأنّها لم تكن.

كثيرون هم الذين يطرحون الأسئلة في هذا الصدد، وما يفعله المسؤولون في الاجتماعات والمؤتمرات، كما لو أنّهم غرباء عن ذاك اللبنان، وغرباء عن الأشقّاء والأصدقاء الذين كانوا يهبّون بكل اهتمام، وبأسرع من لمح البصر، وإذا بالوضع يستعيد أنفاسه، وتُحيط به الآمال والطمأنينة من أوّل وجديد. أمّا الآن فحدِّث ولا حرج، ولا لبنان.

الغريب العجيب أنّ لبنان هذه المرحلة لا يختلف عن الأيتام، دوليّاً وعربيّاً. وكما لو أنّه غير موجود في الساحة، مع أزماته المُكدَّسة وخصوصاً ما يتّصل منها بأعاصير ما “يُسمّونه” الفساد الدائم الوجود وقيد التداول. وما من أحد يعرف شيئاً عمّا حلِّ أو يحلُّ بهذا الفساد الغزير، والدائم الوجود في كل الأحاديث التي تكاد أن تكون دائمة الانتشار في كل لبنان، وكل المناسبات، وفي الخطب الرسميّة أيضاً. إنّما أسمع كلامك يعجبني أشوف أمورك استعجب…

لا تسمع من الناس، بجميع فئاتهم وأعمارهم، إلّا الأسئلة الحائرة، وبرفقتها المزيد من الشكوى من الوضع الراهن. الكلام يتطاير بالوعود تباعاً، وفي كل المناسبات، ولكن لا شيء آخر. بل المزيد من الإنهيار، والبؤس، والقلق، والتخوُّف ممّا يجري في أجواء لا ينتج منها سوى الكلام والمزيد من الوعود. وبكل تأكيد لا تشرق عليه الشمس مرّة أخرى.

لم يعد يفي الكلام بشيء. بل لم يعد له مَنْ يسمع. الناس يريدون أفعالاً، يريدون إنجازات حقيقيّة تقول لهم إنّ وعود الكلام لم تعد مُسيطرة على الربوع بكل أجوائها. ولبنان في حاجة ماسّة إلى إنجاز، إلى موقف يحمل إلى هذه الشعوب عمليّة الإنقاذ التغييري الشامل. لقد ملّوا الكلام، والبيانات، والخطب، والمؤتمرات، والاجتماعات، واللقاءات، والوعود، وكل هذا الذي يحصل لا جدوى منه، وكل كلام آخر لا معنى له ولا من يسمعون.

إلى هنا، يكفي مؤتمرات، اجتماعات، قرارات هوائيّة. أين ضيّعتم لبنان؟ هذا هو سؤال الناس.