لا أجد اليوم أفضل و«أهضم» من دعاء جمانة ماضي التي لا أعرفها، والتي كتبت لنا أجمل تغريدة معبرة عن الوضع الذي وصلنا إليه في لبنان السعيد : «هل هذا بلد أو مستشفى للأمراض العقلية … اللهم عجّل بالنيزك» !
فعلاً اللهم عجّل بالنيزك، ودمّر هذا البلد وما فيه من بشر وحجر، وإجعله رماداً وكأنه لم يكن، لأنك إن لم تفعل وتنزل علينا هذه «النعمة»، فسنعمل نحن قبائل الزولو اللبنانية ونُنزِل هذا بأنفسنا .
أمس كان في وسع أي مواطن لبناني ان يقف مشاهداً مخبولاً، او مشاركاً موهوماً، او متظاهراً محموماً، امام شريط من أنباء هذه الدولة، التي لا تصدق في أي مجتمع بشري، ومن الضروري مثلاً رصد جائزة المليون، لمن يمكن ان يفهم تفاصيل وتعقيدات آلية الحصول على الدولار في بلد صارت تحكمه جماعات الصرّافين، وقواعدها : كيف ولماذا وعلى أي أساس، وماذا ستفعل بالدولار، تبيعه للمتجر، تشتري طعاماً، تبيعه في السوق السوداء، تصدره الى سوق أكثر سواداً، تتعطر به، تفاخر بحمله، او حتى تأخذه معك الى بيت الخلاء ؟
أكثر من هذا، تريد ان تسافر؟ لا يحق لك السفر أكثر من مرة في السنة، ألا يكفيك أنك في عزّ «سفر برلك»، تريد ان ترسل ٢٠٠ دولار الى ابنك في الخارج، عليك ان تؤمن للصرّاف ملفاً من الأوراق والإفادات الثبوتية :
أين يسكن، في أي مدينة، في أي حي، في أي مبنى، في أي طبقة، هل يدرس، إذاً عليه تأمين افادة مدرسية عن قسطه وسلوكه وعلاماته وسلوكه ولون عينيه وفئة دمه، ومن الضروري ان تكون كل هذه الإفادات مصدقة من المراجع في البلد المختص ومصادق عليها من السفارة اللبنانية .
تريد ٢٠٠ دولار على الهوية، من حسابك الذي أفنيت عمرك لتضعه وديعة في البنك، إذاً إذهب الى الصراف تأكّد أولاً أنه شرعي، حذار ان تذهب الى السوق السوداء، عليك انت ان تعرف الشرعي من «الأسود»، فالدولة عندها مشاغل اهم من دولاراتك. ثم لماذا تريد المبلغ، للذهاب الى البحر، لتأكل بوظة، أي نوع من البوظة لا تنسى ان تأتينا بالفاتورة.
ثم وانت آتٍ بالفاتورة إنتبه جيداً لم يعد هناك إشارات ضوئية في الطرقات، فقد تموت خبصاً او دعساً، فمن أين نأتي بالفاتورة عندها، اسمع كلام الحكومة واركب وسائل النقل العام، أولم تسمع الوزير المختص يعد بالنقل العام، ولكن نقل الى إين ربك يعلم، إلاّ اذا كنت قد سمعت جيداً وزير السياحة يتحدّث بطلاقة عن السياحة الداخلية كأحد حلول الأزمة الاقتصادية، ولماذا لا، شحّاذون يسوحون في بلد شحّاذين، ولكن عليك ان تتحسب للتحذير الذي أطلقته وكالة المقاولين، من عدم قدرتها على رفع النفايات المنزلية، فقد تعلَق في الطريق وتخنقك الرائحة .
وإذا إختنقت فلن تجد الأوكسيجين في المستشفيات، التي يئست من تحصيل ديونها وعرضت مفاتيحها على «دولتنا الراعية»، ثم حاذر ان تقع في الطريق بسبب الظلام، لأن الكهرباء تنذرنا بالتعتيم الكامل، فالمازوت عطور نصدرها الى الأحباء والعشاق. إياك ايضاً ان تتوقف في الطريق امام فوضى الإشتباك الأبدي بين مستأجر قديم صارت قيمة إيجاره أربعة دولارات، مالك قديم بات يقف في صف لله يا محسنين، والدولة تتفرج منذ أعوام .
اهم من كل هذا إنسَ انك لست في لبنان بلد حرية الرأي، انت حبيبي في مستشفى إذاً: سكوت، اسمع جيداً، سكووووت، كونوا في السكوت أيها اللبنانيون فالنعم تحلّ عليكم، ولهذا ممنوع مثلاً التغريد، فالعصافير المغردة تُعتقل وتذهب الى القفص في جنينة الطيور.
ومع كل هذا التطور الذي تحسدنا عليه القبائل البدائية في كهوف المجاهل الأفريقية، ليس غريباً ان نقول مع جمانة ماضي : اللهم عجّل بالنيزك !