في العاشر من حزيران الجاري أصدرت لجنة الدراسات الجمهورية في الكونغرس الأميركي، تقريراً تخطى كل ما كان قد قيل عن “قانون قيصر” وانعكاساته السلبية المحتملة على لبنان، وتجاوز كل ما كان المسؤولون يخشونه، بعدما قرأوا نص القانون عندما وزعته وزيرة الدفاع زينة عكر على زملائها في الأول من حزيران.
كانت الأسئلة تدور حول الإحتمالات وطبيعة العلاقات السياسية والتجارية ومواقف دعم النظام السوري وما يمكن ان يقابل هذا في مروحة العقوبات، التي قيل إنها الأشد حزماً وقسوة حتى الآن، وهكذا جاء تقرير لجنة الكونغرس ليضع لبنان و”حزب الله” في سلة واحدة، حيال مسألة العقوبات على النظام السوري الذي من المعروف ان الحزب يقاتل الى جانبه منذ سنوات.
كان مفاجئاً مثلاً ان يوصي تقرير اللجنة، بإنهاء المساعدة الأمنية للجيش اللبناني، كما دعا الكونغرس في الفقرة عينها، الى إقرار تشريع يحظّر إرسال أي أموال الى صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان، بسبب ما سمّاه سيطرة “حزب الله” عليه، معتبراً ان أي مساعدة من هذا النوع تشكّل مكافأة للحزب، بينما تستمر التظاهرات اللبنانية مطالبة بمحاربة الفساد والوقوف في وجه سيطرة الحزب! وكان مفاجئاً أكثر في حينه ان التقرير دعا الولايات المتحدة الى فرض عقوبات على حلفاء الحزب في لبنان، مسمياً الرئيس نبيه بري وصهر الرئيس ميشال عون جبران باسيل، وملوحاً بأن هناك مروحة أوسع من الأسماء في الطريق!
كانت الدولة حائرة وواقعة في حيص بيص كما يقال، وخصوصاً حيال فضائح الإختلاف في الأرقام التي وضعتها عن مجمل خسائرها، في محاولة بشعة هدفها تحميل المودعين والمواطنين مسؤولية الخسائر الهائلة الناتجة من الفساد السياسي والنهب والسرقة المال العام، وهو ما عرقل عمليات التفاوض مع خبراء صندوق النقد الدولي، وكانت حائرة اكثر حيال ما قد يأتيها من متاعب وعقوبات بعدما بدأ تنفيذ “قانون قيصر” يوم الأربعاء الماضي، ثم جاء خطاب السيد حسن نصرالله ليصفق الباب ليس في وجه الولايات المتحدة و”قانون قيصر” فحسب، بل في وجه صندوق النقد الدولي، على رغم ان ايران نفسها تطالب بأن يقدم لها مساعدة قيمتها خمسة مليارات دولار.
لكن كلام السيد نصرالله تجاوز معادلة وضع لبنان و”حزب الله” في سلة واحدة، ليضع كل لبنان في سلة الحزب وفي قلب محور الممانعة، مختزلاً قرار الدولة اللبنانية، وداعياً الى رفض “قانون قيصر” وعدم الرضوخ له والتعاون مع النظام السوري، وأكثر من هذا التخلي عن الدولار وعن الغرب داعياً الى حل بديل بالانفتاح على ايران والصين!
المثير انه ذهب أبعد من ذلك عندما حثّ على التصعيد في وجه كل طرف سياسي يرفض هذا الخيار، بما يعني ان لا معنى لكل الحديث عن قيام الحكومة التي هو من هندسها بمفاوضة صندوق النقد الدولي، وبالتالي قرر ان يحشر قرار لبنان في معادلة ثلاثية جديدة: لن نجوع ولن نستسلم وسنقاتل الأميركيين!
وهكذا يجد لبنان أنه محشور ليس في محور الممانعة فحسب، بل في طريق الإفلاس والجوع، واذا كان الحزب لن يجوع كما قال نصرالله، فإن اللبنانيين بما فيهم شرائح واسعة في البيئة الشيعية يتظاهرون منذ أشهر إحتجاجاً على جوع سيتعاظم وممانعة لا تشتري نعشاً لليرة اللبنانية المرحومة!